ثقافة المحميات الطبيعية وتحقق الأمن البيئي

يتفاوت مفهوم وثقافة التعامل والاهتمام بالمحميات الطبيعية بين مختلف شرائح المجتمع في الدول العربية، فتجد أن هناك فئة تحاول من خلال طبيعتها الشخصية والمهنية احترام الأنظمة واللوائح المشرعة لحماية وصون هذه المحميات والمساهمة العملية في تربية الأجيال الصغيرة والشابة في المحيط العائلي على احترام الموارد الطبيعية والتنوع الحيوي والاستمتاع بجمال وصفاء هذه المحميات، وفي المقابل يجسد مصطلح ''الصيد الجائر'' مثالا من الواقع لطبيعة وسيكولوجية فئة في المجتمع يعاب عليها تدني روح المسؤولية والتفاعل في خدمة المصلحة العامة من خلال بعض الممارسات والسلوكيات التي تتعارض في الأصل مع تعاليم الدين الإسلامي ومع توجه وتطبيقات الأمن البيئي الذي يشرح المرجعية المنظمة والمراقبة لكافة الأنظمة والقوانين التي تجسد الاستراتيجية البيئية الوطنية والتي من شأنها تحقق الأمن والرخاء والاستقرار بالمنطقة وحماية البيئة والموارد الطبيعية من النضوب والانقراض ومن الجرائم المتعمدة التي ترتكب بحق المصادر والموارد الطبيعية والإخلال بالتوازن البيئي، كما أن أدوات الصيد والمتمثلة في حمل سلاح مخصص لهذا الغرض هي في حد ذاتها تشكل مخاطر ومخاوف على المستوى الفردي والجماعي، حيث نسمع بين الفيئة والأخرى عن بعض الحوادث العرضية والإصابات أو الوفاة في بعض الأحيان من جراء الاستهتار أو الجهل بوسائل السلامة والأمان وخصوصا في المكان والزمان المحظور للصيد، كما أن قتل أو صيد بعض الأنواع النادرة من الحيوانات والطيور يتعارض مع المبادرة المطلوبة من الجميع في المحافظة على التنوع البيولوجي وتهيئة دعائم الأمن البيئي.
الاهتمام العالمي بمشاكل البيئة يصنف مصطلح أمن البيئة على أنه التوجه الذي يتناول واقع بحث مسببات هذه المنافسة الدولية على شراكة الموارد الطبيعية البيئية من جهة، ومن جهة أخرى دراسة تأثير هذه المخاطر والمشكلات البيئية في رفاهية المجتمع والتنمية الاقتصادية للدول بصفة عامة .. وهنا يظهر للمتابع والمختص دور الفرد قبل المجتمع في تحقق الأمن البيئي داخل وطنه أولا ومن ثم المساهمة في تحقق الأمن البيئي العالمي.
تعرف المحميات الطبيعية على أنها مناطق محددة الأبعاد الجغرافية من الأرض أو المياه (ساحلية أو داخلية) تفرض عليها الحماية بموجب قوانين خاصة بهدف المحافظة على محتواها من حيوانات وطيور ونباتات وأسماك أو ظواهر طبيعية ذات قيمة ثقافية علمية أو سياحية أو جمالية وكافة أشكال الحياة فيها من تعديات أو إهمال الإنسان أو من التغيرات البيئية الضارة، ولقد زاد تنوع وعدد المناطق المحمية في العالم زيادة ملاحظة في السنوات الأخيرة، حيث تشير الدراسات إلى توافر أكثر من 10000 منطقة محمية تغطي ما نسبته 6 في المائة من مساحة الأرض.
تنبهت معظم الدول العربية في السنوات الأخيرة إلى الأضرار الجسيمة التي ألحقها الإنسان العربي بالطبيعة التي يعيش في أحضانها، وقد سنت المملكة بعض القوانين الهادفة إلى حماية المحميات والحياة البيئية والفطرية مثل ''نظام المراعي والغابات، نظام المناطق المحمية، ونظام صيد الحيوانات والطيور البرية، ونظام صيد الثروات المائية الحية من المياه الإقليمية واستثمارها، وغيرها من النظم الخاصة بصحة البيئة) بعد أن كان هناك توطئة وتهيئة عملية في هذا الخصوص للاهتمام والمتابعة الشخصية من مؤسس المملكة العربية السعودية الملك عبد العزيز - رحمه الله. يذكر المؤلف تشيزمان (Cheesman) في عام 1926 أن الملك عبد العزيز أهدى ملك بريطانيا خلال الحرب العالمية الأولى زوجا من المها العربية (ذكر وأنثى) ليحافظ عليه بسبب الصيد الجائر الذي كان يمارس في شبه الجزيرة العربية.
يصنف ''الاتحاد الدولي لصون الطبيعة'' المناطق المحمية إلى ستة أنواع رئيسية وهي (المحميات الطبيعية الخاصة بمناطق البراري والتي يتم حمايتها للأغراض العلمية أو للرصد البيئي، محميات المتنزهات الوطنية (الأرضية أو الشاطئية) ويتم حمايتها لأغراض التعليم والبحث العلمي والترويح والسياحة البيئية، محميات الآثار الطبيعية والتاريخية، محميات موائل الأنواع المختلفة والتي يعيش فيها أنواع معينة من الحيوانات أو النباتات، محميات المناطق الطبيعية الجذابة مثل المناطق الجبلية أو الساحلية والتي تم صيانتها وتنميتها بأسلوب صديق للبيئة بواسطة سكان المنطقة، المناطق المحمية المنتجة للموارد الطبيعية مثل الغابات)، كما تمثل المحميات الطبيعية أيضا خط دفاع مهما أمام مخاطر ظاهرة التغير المناخي والاحتباس الحراري كونها تساهم في امتصاص الكربون وخفض نسبة ثاني أكسيد الكربون في الهواء وتلطيف الجو في المناطق المتاخمة لها، المحميات الطبيعية أيضا تساهم في توافر موارد متنوعة للتنمية والاستثمار وفرص العمل الوظيفية، وتلعب المحميات الطبيعية دورا كبيرا في محاربة ظاهرة التعري والتصحر للتربة، وتعتبر المحميات الطبيعية ملاذا طبيعيا للكائنات الحية من حيوانات وطيور وغيرها من الحشرات النافعة، ومركزا طبيعياً للباحثين ولطلاب الجامعات والدراسات العليا، إضافة إلى دورها في نشر مفهوم وثقافة التوعية والصداقة البيئية.
وكأني بالشاعر إيليا أبو ماضي في قصيدته ''الغابة المفقودة'' يشخص وعلى طريقته الخاصة جزءا من معاناة وطموح المواطن العربي:
يا لهفة النفس على غابة
كنت وهنداً نلتقي فيها
لا غابتي اليوم كعهدي بها
ولا الّتي أحببتُها فيها
قد بَدّل الإنسان أطوارَها
وأجتث بالفأس دواليها

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي