تصريف النجوم
يبدو أن مصطلح التصريف لم يعد حكراً على هوامير البورصات والمضاربين في أسواق الأسهم، بل انتقلت عدوى هذه الموجة بكل سلاسة إلى أندية دوري زين التي تأثرت بشكل كبير بمؤشر الرياضة السعودية، وما أصابه من انحدار تام ومخيف على كافة الأصعدة، سواء على مستوى الألعاب أو المنتخبات أو الأندية أو اللاعبين، أو حتى على نطاق التنظيم وبرمجة المسابقات.
هذا التراجع المخيف غرس سهامه في خاصرة بورصة اللاعبين، وأقلق رؤساء الأندية وشعروا بمدى خطورته، وأرادوا المحافظة على ما تبقى من مدخرات أنديتهم، ولا سيما أنهم أصبحوا على طائلة المسؤولية أمام الشركات الراعية والجماهير وأعضاء الشرف، الذين تتسامى طموحاتهم نحو التعاقد مع النجوم الحقيقيين أصحاب المرود الفني العالي والمالي المجزي متى ما لاحت فرصة منطقية لتسويقهم، وبالتالي كان لزاماً عليهم ضمان حماية أنديتهم وعدم تعريضها للانكشاف على مخاطر عقود هؤلاء اللاعبين، عبر انتهاج سياسة ذكية وترشيدية تتمثل في تخليص النادي من همّ هذه الديون التي أصبحت في حكم المعدوم، وكانت النتيجة أن بضاعة هذا الفريق وإن كانت خاسرة ردت إلى فريق آخر من مبدأ التدوير وهكذا، وشاهدنا كذلك شجاعة غير مسبوقة من بعض الأندية، تتمثل في المماطلة وعدم التجديد لمن انتهت صلاحيتهم تماماً في عالم كرة القدم، يقابلها إقدام هو الأول من نوعه من أندية أخرى لاحتضان هؤلاء المنتهين وتأهيلهم بأي طريقة حتى لو كانت بعقد شهري وأجرة محدودة لا تتوازى مع إمكانات لاعب في الدرجة الأولى، وتهديد بفسخ العقد في نهاية الموسم، كما يبدو جلياً عندما تحول "ذابح النصر" إلى "رابح للهلال" في لمحة بصر!
ياسر القحطاني، مالك معاذ، عبده عطيف، سعد الحارثي، محمد نور، نماذج لأبرز لاعبي هذا الجيل الذين كان يراهن على نجوميتهم الكثيرون، لكنهم استسلموا للضغوط والإصابات والصخب الإعلامي والعقود المبالغ فيها والمزاجية المتقلبة، وافتقدوا أبجديات التهيئة النفسية التي كان من المفترض أن تكون ملازمة لمسيرتهم الكروية، لذا كان من الطبيعي أن تكون عقارب نجوميتهم وإبداعهم على المستطيل الأخضر مرهونة بصلاحية معينة، وعندما أوشكوا على استهلاك "حد" هذه النجومية المتناقصة وجدوا أنفسهم أمام الواقع المر والمؤلم..أمام عقود يتسولونها، وليت الأمر يقف هنا فحسب، بل باتوا يستجدون الأندية التي لم تخيب ظنهم، وكانت على الموعد مشرعة أكاديمياتها التأهيلية التي استجابت لواقع الرياضة السعودية الهابط، رغم عدم قناعة هذه الأندية بقدرات هؤلاء اللاعبين وإمكاناتهم!
في رأيي أن موجة تصريف النجوم وسياسة التدوير الخاسرة التي ركبتها الأندية أفرزت لنا واقعاً خطيرا يستدعي أن نطرح معه تساؤلاً عريضاً: هل أصابت هذه الموجة مقياس نجومية هذا الجيل في مقتل؟
هذا السؤال أجاب عنه أبرز من نعتقد أنهم يقفون على رأس هرم هذا الجيل، فلا أحد يصدق أن محمد نور يريد الانتقال بمبلغ يخجل الإعلام قبل اللاعب من نشره، ولمن؟ للجيش القطري؟ ولا أظن أن أحداً سيتبادر إلى ذهنه انضمام عبده عطيف إلى ركب البطالة، وهو في ناديه، ولا أتوقع أن متابعاً سينسى حكاية سعد الذابح وقبوله لهجة التهديد التي تضمنتها اتفاقية انتقاله للهلال وكأنها مقدم عقد نجوميته، كما أن الجمهور لا يزال يبحث عن ياسر ومالك اللذين لم يعد لهما ذكر في خريطة النجومية.. كل هذه التحولات أضع أمامها علامات استفهام كثيرة تدعونا إلى التفكير جدياً في آثار انهيار بورصات اللاعبين، وتداعيات التسابق المحموم نحو الإعارات الوقتية، وانعكاسات هذه النجومية المهزوزة على رياضتنا السعودية، فالمسألة بالتأكيد أكبر من خسارة نصف مقعد أو إخفاق جديد للأخضر أو خروج أولمبي أو دمج منتخب "ب" في "ج".