Author

الاستقدام والرادع المالي

|
كثيراً ما تصدر حكومتنا أنظمة واضحة لخدمة المواطنين والمجتمع في كل القطاعات، فيسعد بها الجميع إلاّ انه سرعان ما يكتشف الجميع عدم جدوى هذه الأنظمة على أرض الواقع وذلك لعدم وجود المتابعة في التطبيق وعدم تحقيق الأهداف المرجوة منها. فيصاب المواطن بالإحباط وتعم الفوضى.. وتنتقد الحكومة مرة أخرى. حديثي هنا سيركز على ظاهرة الاستقدام المبالغ فيه وظاهرة هروب العمالة والخدم وعملهم مع الآخرين. الكل يعلم أن شروط الاستقدام واضحة ومهيئة للجميع سواء أفراد أو مؤسسات أو شركات.. إلاّ أننا سرعان ما لاحظنا سوء الاستخدام من الجميع صغيراً كان أو كبيراً . وكل ذلك أدى إلى إغراق البلد بمئآت الآلاف المستقدمين من كل المهن من قبل أفراد أو مؤسسات ليس لغرض معين وإنما للتجارة بالبشر، وذلك من خلال عملهم مع غير كفلائهم الذين التزموا لهم بعمل وراتب وسكن وشروط صحية واضحة، وانتهى هؤلاء المساكين في الشوارع كل يبحث عن رزقه بأية وسيلة لتسديد ديونهم التي دفعوها في بلدهم نظير قيمة هذه التأشيرة وهي بالآلاف من الريالات مما أدى إلى ظاهرة هروب هذه العمالة من كفلائهم للعمل مع الآخرين وخاصة الخدم وغيرهم، وانتشرت ظاهرة تأجير العمالة والخدم غير النظامية. ولكنها بالفعل منظمة وتجارة من عصابات واضحة لكل جنسية. سؤالي الأول: هل نحن الدولة الخليجية الوحيدة التي تستقدم كل هذه العمالة ؟ طبعا لا، الكل يستقدم وخاصة الإمارات التي وصل حجم العمالة الأجنبية فيها أكثر من 90 في المائة من المقيمين. السؤال الثاني: هل توجد ظاهرة العمالة السائبة في دول الخليج وخاصة الإمارات وهو ثاني سوق بعدنا؟ طبعاً لا .. لا يمكن ان ترى أي عامل أو عاملة تعمل مع غير كفيلها الذي استقدمها لحاجة معينة. السؤال الثالث: هل هناك ظاهرة هروب خدم وعمالة في الإمارات؟ .. طبعا لا.. إذن ما هو السر في الفوضى عندنا والانضباط عندهم ؟ هل أخلاقياتهم أفضل ؟ طبعا لا. هل احترامهم للأنظمة أفضل منا ؟ طبعاً لا. هل خوفهم أو احترامهم لحكومتهم أفضل منا ؟ طبعا لا.. والدليل على ذلك عند إجابة كل هذه الأسئلة أن المواطن السعودي سواء كان مستثمراً أو مقيماً أو سائحاً يحترم كل هذه الأنظمة ويظهر انضباطاً عجيباً في الإمارات. ما هو السر إذن في هذا التناقض بين شعبين شقيقين يشتركان في سوق واحد موحد وبنفس الثقافة؟ أقولها بصراحة إن السبب الرئيسي والأول والأخير هو فقدان الرادع المالي كما هو حاصل في الإمارات والمتابعة في بلدنا. ففي الإمارات لا يمكن أن يوظف أحد عاملا أو خادمة إذا لم تكن على كفالته، فغرامة المخالف هي 100 ألف درهم (ريال) وتسفير للأجنبي على حساب آخر موظف له، مع العلم أن كل من وظفوه خلال هروبه معرضون لنفس العقوبة. والعجيب أنه مع كثرة المستثمرين السعوديين والمقيمين السعوديين في الإمارات لم يوظف أي أحد منهم خادمة أو عاملا أو سائقا على غير كفالته لماذا؟.. السبب الرادع المالي الذي يؤدي لانضباط البشر في تطبيق الأنظمة. والمملكة لها ثلاث تجارب ناجحة ورائدة تحققت بفضل الرادع المالي في انضباط السعوديين والمقيمين في تطبيق الأنظمة. أول تجربة هي تجربة شركة سمة وهي المؤسسة المسؤولة عن تطبيق ومتابعة أنظمة الشيكات المرتجعة والتي كانت ظاهرة خطيرة في السنوات العشرين الماضية حتى وصل مجموعها إلى 10 مليار ريال. والآن وبعد أن بدأت سمة ووضعت الغرامات المالية وتطبيق الأنظمة وخاصة السجن والتوقيف تراجعت جرائم الشيكات المرتجعة بنسبة 80 في المائة في المملكة خلال سنة واحدة من 2.961 مليار في عام 2010م إلى 594 مليون ريال في عام 2011م. ما الذي جعل السعودي والمقيم بدؤوا يحترمون الشيك وأصبح الشيك بالفعل أداة فاعلة في السوق؟ إنه الردع المالي والسجن، هنا النظام انتصر على المتلاعبين وأسهم في الحد من الظاهرة حسب آخر تقرير لشركة سمة. هل بالفعل نحن أصبحنا أكثر مواطنة ؟ وهل أصبح المقيم أكثر احتراماً للشيك بسبب أخلاقي؟ لا إنه الرادع المالي لأن الرادع المالي لا وساطة فيه ولا تلاعب. أما التجربة الثانية الناجحة فهي انحسار ظاهرة الحوادث المرورية والسرعة الجنونية في شوارعنا مما أدى للحفاظ على حياتنا وحياة أبنائنا .. هل أصبح شبابنا وسائقو الليموزين أكثر أخلاقاً وأنهم اقتنعوا بخطورة المخالفات نتيجة الحملات التوعوية السابقة من المرور ؟ طبعا لا كلها بسبب الرادع المالي من خلال ساهر. أما التجربة الثالثة الرائعة ويعرفها رجال الأعمال والمقيمون أكثر من المواطنين العاديين وهي ظاهرة الزيارة التجارية للأجانب لشركائهم في المملكة (وعدد هذه التأشيرات سنوياً حوالي 250 ألف زيارة تجارية ) أو زيارة أقارب المقيمين وتقدر بضعف ذلك العدد للمقيمين وعوائلهم، وكان الجميع لا يحترم المدة المحددة له للإقامة والمغادرة فيمدد إقامته حسب رغبته دون الرجوع للدولة ولا غرامة ولا هم يحزنون.. وبعد أن صدر قرار تطبيق غرامة 10 آلاف ريال على كل زائر يتخلف عن آخر يوم له حتى لو بيوم واحد تطبق عليه الغرامة فانضبط الجميع.. وغادروا في المدة المحددة. إذن الرادع المالي هو الأسلوب الحضاري الوحيد الواجب تطبيقه على كل الأنظمة إذا أردنا احترامها. الآن نصل إلى بيت القصيد، الكل يشتكي في المملكة من ظاهرة إغراق السوق بالعمالة وهروبها وخاصة الخدم والسائقين. فلماذا انتشرت هذه الظاهرة ؟ الكل يعلم أن للفساد الإداري دوراً رئيسياً لانتشار هذه الظاهرة ولكن أيضا هناك تساهلا وعدم تطبيق للأنظمة وعدم متابعة وعدم وجود رادع مالي يمكن أن يخيف المخالف والعامل والخادمة. لأن العقوبة على العامل التسفير بعد عدة سنوات بعد إقامة غير نظامية وعلى حساب الدولة في أكثر الأحيان مع الأسف. إن الحل الوحيد برأيي للتخلص من هذه الظاهرة التي أصبحت تشكل خطراً على مجتمعنا لأننا استقدمنا بشرا بالآلاف بعد أن دفعوا المبالغ الطائلة للوصول لسوقنا ثم اكتشفوا أن لا عمل لهم ولا تأمين صحيا ولا سكن مناسبا ولا تغذية مما يضطرهم للعمل مع من يأويهم أو يدفع لهم أفضل. إن الحل الأمثل للحد من هذه الظاهرة هو الردع المالي المطبق في الإمارات فيجب أن تصدر وزارة العمل قانوناً يفرض 100 ألف ريال على كل مؤسسة أو شركة يعمل لديها موظفون ليسوا على كفالتها والغرامة تتكرر بتكرار عدد العمالة. أما بالنسبة للخدم وسائقي العوائل فيجب أن تكون الغرامة 25 ألف ريال (مع أنه في الإمارات 100 ألف درهم) مع إعطاء مهلة مدة 6 أشهر للمقيمين وللمواطنين لترتيب أمورهم ومن لم يستطع ترتيب أمره يغادر. إن نظام الردع المالي نظام عادل ومنصف ومطبق على الجميع، ويستفيد منه المساكين قبل الأغنياء لأن هذا النظام سيحد من ظاهرة هروب العمالة والخدم والسائقين لأنهم لن يجدوا من يأويهم ويوظفهم، وسيحد من الاستقدام المبالغ فيه، وسيوقف تجارة البشر السيئة والتي أدت إلى سمعة سيئة لبلدنا على المستوى العالمي والإقليمي وسيحقق العدالة للعمالة الأجنبية المتضررة، وقد يوفر هذا النظام عملاً شريفاً لانخراطهم في أعمال نظامية، وبذلك تنتهي ظاهرة البطالة المنتشرة بين الأجانب في المملكة.. مما يعطي الانطباع الصحيح عن المملكة وشعبها بأننا لسنا عنصريين وذلك بالاهتمام بالبطالة السعودية فقط دون الاهتمام بالبطالة للعمالة الأجنبية المنتشرة بالبلد.. السؤال الأخير: من المستفيد من مثل هذا الردع المالي؟ 1- المواطن الصغير والعائلة الذين سيحافظون على خدمهم وسائقيهم من الهروب بعد أن دفعوا لهم الآلاف لاستقدامهم. 2- مقاولو الصيانة والتشغيل وهم بالمئآت والذين استقدموا للعمل حسب عقود واضحة واستقبلتهم عصابات تجارة البشر من الأجانب وساعدوهم على الهروب من كفلائهم. 3- المصنعون والمقاولون، وهنا الظاهرة أقل حدة لأن الهروب نادر ولكن أيضاً حمايتهم واضحة. 4- المجتمع عموماً إذ سيتخلص سوقنا من عمالة سائبة تعدت أعدادها المليون وتسببت في كثير من الجرائم والمشاكل الصحية. 5- إعطاء شبابنا وبناتنا فرص عمل للإحلال محل المخالفين والمتلاعبين في قطاع التجارة والخدمات وهي الموظف الرئيسي للعمالة الوطنية. إذن من أجل توقيف تجارة البشر وظاهرة هروب العمالة وخاصة الخدم والسائقين لابد من تطبيق الردع المالي . وبعد تطبيق هذه التوصية أستطيع أن أؤكد أن الظاهرة ستختفي بعد سنة واحدة ــ بإذن الله. والله الموفق ..
إنشرها