Author

صرخة استنجاد أو فرح؟

|
لا أحد يعترض على أحقية الطفل في اللعب، اللعب الذي يطور من قدراته العقلية ويرعى نضجه الجسدي والاجتماعي والانفعالي كذلك. وكلما كان لعب الأطفال مداراً ومنطلقاً من رغباتهم وهواياتهم الشخصية كان ذلك أفضل مما يفرض عليهم من قبل الوالدين. ولكن.. لا تعني هذه الحرية ترك الأطفال بلا رقابة خارجية تتحقق من أنّ اللعب لا تشوبه أذية لهم ولغيرهم. عندما نتحدث عن رقابة خارجية لا نقصد بذلك الحدّ من مساحة وأماكن اللعب، أو حرمان الطفل من اقتناء ألعاب معينة، وغيرها من التغييرات التي قد يحسبها الوالدان مفيدة وهي مضرة. لا يمكن أيضاً تحديد هذه الرقابة بخطوط عامة، نظراً لاختلاف الأسر وأماكن سكنهم واختلاف أساليب الحياة التي يتبعونها. قبل عدة أيام، وبينما كنت في زيارة لمجمع تجاري ركزت انتباهي على مجموعات من الأطفال خلال تنقلهم ولعبهم، بينما كانت هناك صالة ضخمة مخصصة للعبهم بكل أشكاله من الألعاب الإلكترونية حتى البسيطة التي تتطلب منهم جهدا عضلياً! لكن الآباء ـــ أو الأمهات ــــ الذين اصطحبوهم آثروا أن تكون ساحات المجمع المخصصة للمتسوقين ساحة للعبهم، فهم يركضون تارة، أو يقتحمون محال المجمع، بينما يحاول المشترون تفحص البضاعة، يتسللون بين المشتري وبين ما يحاول التركيز في رؤيته ثم ينتهي الأمر بهم بالتعثر والسقوط. وفي حالة أخرى يكون المتسوق ضحية لهذا اللعب العنيف، بينما يقف الوالدان موقف المتفرج اللامبالي، أو المتسوق المغيّب الذهن في ازدحام الألوان! لن أصبّ استنتاجاتي السلبية على رؤوس الآباء، لأنّ توفير مبلغ جيد لإدخال الأطفال في مساحات اللعب المخصصة لهم لا يتأتى لكثير من الأسر، فيصبح الترفيه الوحيد الذي يتاح لهم هو التجول مع ذويهم في أنحاء المجمعات التجارية والاكتفاء بالفرجة فقط. وهذا بالتأكيد من حرية اللعب والترفيه الذي تحدثت عنه في البدء، لكنه لا ينفي مسؤولية الآباء في إعطاء نصائح صارمة ـــ في كثير من الأحيان ـــ بخصوص الركض وإزعاج المتسوقين. إذا لم يتمكن الأب أو الأم من السيطرة على عادات اللعب الخاطئة هذه فالأسلم إبقاء الأطفال في المنزل أو اصطحابهم لأماكن مخصصة لهم. يجب أن يتعلم الطفل مبدأ صغيرا وبسيطا كـ"عدم الركض في الأماكن الضيقة والمغلقة" أو "الانتباه للآخرين عند المشي"، هناك فرق كبير بين إعطاء الطفل فرصة الاكتشاف والنضوج وإهمال تربيته بالشكل الصحيح! قصة أخرى تتكرر دائما عندما يلعب الأطفال في الشارع أو باحات منازلهم، ألا وهي ارتفاع أصواتهم بالصراخ، ولا أقصد بذلك الضحكات والصرخات العفوية التي تصدر من حماسهم وانهماكهم في لعبة ما. المقصود بذلك هو الصراخ الذي يثير شكوك من يستمع إليه فيحتار بين حاجة الطفل للمساعدة أو بهجته المفرطة! كان يمكن تلافي هذه الشكوك لو أنّ الوالدين دربا أطفالهما على تفادي مثل هذه السلوكيات، ومرة أخرى يختلط عليهم الأمر بين الحرية والتهذيب. الهدف الأساسي من تصحيح سلوك أطفال اليوم هو منع تطوره لسلوكيات أكثر تعقيداً يصعب انتزاعها منهم في الكبر، الطفل الذي لا يجد متعته في اللعب إذا لم تكن مصاحبه للفوضى والتخريب سيكبر ليكون بالغاً خارجاً عن السيطرة يترك بصماته على المرافق العامة التي يحتفل بها على طريقته الخاصة.
إنشرها