بدل السكن.. ما بين الحاجة والتكلفة!

لا يزال موضوع ''بدل السكن'' المعروض على مجلس الشورى الموقر مجالاً للحوار والمناقشة في المجالس الخاصة وفي المنتديات العامة على شبكة الإنترنت. هناك من يرى أنه مكلّف، وسيكلف سنوياً مليارات الريالات، ما قد يرهق ميزانية الدولة، خاصة عندما تتعرض لنقص في الإيرادات أو عندما يتعرض النفط لتقلبات أو تغيرات حادة في الأسعار. وهناك فريق آخر يرى بأن إقرار ''بدل السكن'' سيُسهم في رفع أسعار العقارات والإيجار، ما سيضر بالآخرين. هذه وجهات نظر لها ما يبررها، ولكن هناك وجهات نظر أخرى مختلفة. الأغلبية العظمى (84 في المائة) من الذين شاركوا في استفتاء جريدة الاقتصادية الإلكترونية حول هذا الموضوع يؤيدون ''بدل السكن''.
لا بد من احترام وجهات النظر المتنوعة والمتعددة، ولكن السؤال المهم الذي يُفترض أن يُطرح قبل مناقشة السلبيات أو التكلفة هو: هل هناك حاجة لبدل السكن أم لا؟ وما إيجابيات منح هذا البدل؟ وفي حالة تأييد صرف البدل، عندئذ يمكن النظر في تحديد مقدار البدل في ضوء الإمكانات المتاحة.
كما هو معروف، فإن بعض الجامعات والوزارات والمؤسسات العامة والخاصة توفر ''السكن'' لمنسوبيها كالمؤسسة العامة للتحلية وشركة أرامكو ووزارة الخارجية. وهناك جهات كثيرة تمنح ''بدل السكن'' لمنسوبيها، خاصة من غير المواطنين. لا شك أن الموظف الوافد من خارج المملكة في حاجة ماسة إلى بدل السكن لتسهيل استقراره وتمكينه من العطاء في عمله. ولكن ألا يحتاج الموظف السعودي الجديد الذي قدم للتو من إحدى مدن الحدود الشمالية أو جازان أو القصيم إلى المساعدة في الحصول على سكن مناسب؟! وهل يستطيع موظف جديد لا يتجاوز مرتبه الشهري (3000 ريال) أن يؤمن السكن اللائق له ولأسرته؟! ثم أليست الدولة تسعى جاهدة لتمكين المواطنين من امتلاك مساكن خاصة بهم؟! ألم تقدم الدولة ـــ وفقها الله ـــ دعماً سخياً لصندوق التنمية العقاري ووزارة الإسكان يصل إلى مليارات الريالات من أجل تحقيق هذا الهدف الذي أصبح من أولويات الدولة؟!
إن وجود خيارات أمام الموظف أمر إيجابي، لأن بقاء الموظف في سكن جهة التوظيف يؤجل امتلاكه لمسكن خاص، ما يصعب عليه التأقلم في بيئة سكنية جديدة بعد تقاعده، ويضر بالأسرة واستقرارها. وهذا قد يؤثر عليه ـــ سلباً ــــ من الناحية النفسية والاجتماعية في مرحلة ما بعد التقاعد، خاصة إذا علمنا أن هناك نسبة ليس صغيرة من الناس يبلغون سن التقاعد دون امتلاك مسكن خاص.
إذا كان الأمر كذلك، فإن الحاجة إلى ''بدل السكن'' موجودة، ومساعدة الموظف ضرورية. فالمسكن من الضروريات الأساسية لبقاء الإنسان ورفاهيته، فهو يحميه من المخاطر، ويسهم في راحته وراحة أسرته واستقرارهم، ويساعده ليكون عضواً فاعلاً ومنتجاً في مجتمعه. ولا تقتصر أهمية السكن على ذلك، بل إن استقرار الأسرة في مسكن مناسب ينعكس على جميع أفراد الأسرة، ويؤثر ـــ إيجابياً ــــ في أداء أدوارهم في المجتمع بفاعلية، ويمتد تأثير السكن إلى صحة أفراد الأسرة وسلامتهم من الإصابة بالأمراض. فلا يستطيع الأطفال النمو بشكل سوي، أو التعلم في الدرجة المطلوبة، ما لم يتوافر لهم الاستقرار في سكن ملائم.
ختاماً لا يمكن أن يجادل أحد بعدم أهمية السكن للإنسان، ولا أهمية ''بدل السكن'' لجميع الموظفين بمن فيهم العاملون في منشآت القطاع الخاص، وليس شرطاً أن يكون ثلاثة رواتب، بل يمكن أن يُحدد بسقف معين، حيث لا يقل ـــ على سبيل المثال ــــ عن 15 ألف ريال ولا يتجاوز 50 ألف ريال، مهما ارتفع المرتب الشهري. إن صرف ''بدل السكن'' للموظفين في القطاعين العام والخاص سيسهم في تمكين المواطنين من امتلاك مساكن خاصة بهم، ما يحقق أهداف الدولة من جهة، وطموحات الناس في امتلاك مساكن لهم من جهة أخرى.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي