منى بكامل حلتها.. أهلا ضيوف الرحمن

منى بكامل حلتها.. أهلا ضيوف الرحمن

ما بين هتافات رجال الأمن الحماسية وصخب الآليات الضخمة التي تعج بها طرقات مشعر منى، تمازج فريد يعكس مدى القوة والعزيمة ورباطة الجأش بين قطبي المعادلة، في تناسق ينم عن الثبات والعزيمة القاهرة.. هكذا وبهذه الصورة الرائعة تعيش مدينة الخيام البيضاء منذ أمس حركة دؤوبة لا تعرف الهدوء تسابق فيها سواعد الرجال عقارب الساعة في حالة استنفار مهيبة لاستقبال قرابة ثلاثة ملايين حاج يقضون فيها يوم التروية، بعد أن اكتست حلة قشيبة خلقت موجة حماس في أوساط الرجال هناك للعمل بإتقان يواكب حجم العمران؛ فمنشأة الجمرات.. وقطار المشاعر.. وأبراج سكنية جديدة.. وشبكات لتصريف مياه الأمطار والسيول.. نماذج من مشروعات تطويرية عديدة شهدها مشعر منى.
وفي الوقت الذي وقف فيه رجل الأمن الأول الأمير نايف بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية رئيس لجنة الحج العليا قبل يومين، ليطمئن على كافة الاستعدادات الميدانية بالمشاعر المقدسة، وشاهد الخطط والبرامج المعدة لراحة ضيوف الرحمن كدليل قاطع على مستوى الرعاية التي توليها القيادة الرشيدة لخدمة الحجاج، حيث أنهت كافة القوات الأمنية استعداداتها وتدريباتها الميدانية لتنفيذ الخطط المنوطة بها بعد أن باتت منى على أهبة الاستعداد لاستقبال ضيوف الرحمن في يوم التروية.
''الاقتصادية'' قامت بجولة ميدانية لمشعر منى الذي يغص بالآلاف من السواعد الفتية التي تعمل على مدار الساعة لاستكمال كماليات الضيافة في مدينة استثنائية، حيث لم يكن يتصور المتجول في هذا المشعر أن يتحول واد بين جبلين عظيمين إلى أكبر تجمع سكاني في العالم.. بل أغلاه على الإطلاق إذ لا يستمر سكن الناس فيها إلا أياما معدودة.
المدينة البيضاء التي تستضيف سكانها لأسبوع فقط هي الأغلى بالفعل إذ بلغت تكلفتها أكثر من عشرة مليارات ريال، ولعلها المدينة الأولى في العالم المحصنة ضد الحرائق بفضل الخيام المقاومة للاشتعال والمصنعة من الأنسجة الزجاجية المغطاة بطبقة من ''التفلون'' المحصن ضد اللهب. تجمع خيام منى بين متطلبات العصرنة وتقاليد الإبداع الإسلامي، وهي أقرب إلى طابع الخيمة التقليدية، وتقدر مساحة المدينة البيضاء بنحو مليوني متر مربع.. هناك حيث تتنافس مؤسسات الطوافة ومؤسسات وشركات حجاج الداخل لتجهيز الخيام بالفرش الوثيرة والمواد الغذائية المتنوعة في همة ونشاط لا تعرف الملل ولا التثاؤب.
بعد ذلك، انطلقت جولة أخرى في منطقة الجمرات، حيث يعد مشروع تطوير منطقة الجمرات في مشعر منى نقلة حضارية، وأقل ما يقال عنه إنه درة المشاريع التطويرية التي نفذتها الحكومة السعودية في المشاعر المقدسة، الذي روعي في إنشائه نمط جديد من الهندسة النوعية التي توفر أهدافا أساسية لانسيابية حركة الحجاج ضمن ظروف آمنة ومريحة تحقق لهم السلامة والراحة خلال أدائهم هذا النسك، إضافة إلى خفض كثافة الحجاج عند مداخل الجسر، وذلك بتعدد المداخل وتباعدها، ما يسهم في تفتيت الكتل البشرية عند المداخل وتسهيل وصول الحجاج إلى الجمرات من الجهة التي قدموا منها، وتوفير وسائل السلامة والخدمات المساندة أثناء تأدية ضيوف الرحمن نسك رمي جمرة العقبة يوم العيد ورمي الجمار أيام التشريق.
ويتيح الجسر الرمي على خمسة مستويات، المستوى الأول من الجسر للحجاج القادمين من جهة منى ويتم الدخول إليه بواسطة منحدرين، الأول لاستعمال الحجاج القادمين من شمال منى شارعي سوق العرب والجوهرة، والآخر لاستخدام الحجاج القادمين من جنوب منى شارع المشاة الجنوبي وشارع الملك فيصل، ويتم الخروج منه عبر ثلاثة منحدرات الأول والثاني باتجاه منى، والثالث باتجاه مكة المكرمة، ويتم الدخول للمستوى الثاني للجسر إليه من جهة مكة المكرمة بواسطة منحدرين الأول من الجهة الشمالية للحجاج القادمين من غرب الجمرات ومن محطات الحافلات المقترحة على شارع سوق العرب وشارع الجوهرة، والثاني للحجاج القادمين من الجهة الجنوبية القادمين من شارع صدقي وطريق المشاة ومن محطة الحافلات على شارع الملك فيصل، ويتم الخروج منه بواسطة منحدر باتجاه مكة المكرمة مع إمكانية الخروج إلى منى بواسطة السلالم المتحركة أو السلالم العادية، أما المستوى الثالث للجسر فهو مخصص للحجاج القادمين من وسط منى ومن شارع الملك فهد ومن مشروع الإسكان على سفوح الجبال ويتم الوصول إليه والخروج منه بواسطة سلالم متحركة أو سلالم عادية، كما يتم الوصول إليه أيضا عن طريق منحدر من سفوح الجبال خلف مشروع الإسكان ومنحدر من مجر الكبش.

بروفات ميدانية حية
هذا التغيير في مشعر منى دفع إلى مزيد من التدريب والتخطيط في صفوف رجال الأمن المعنيين بالتنظيم هناك، حيث شهدت الأيام الماضية على مدار الساعة بروفات حية في أوساط الفرق الأمنية وتدريبات مكثفة لإتقان الخطط الجديدة للقوات الأمنية. ووفقا للواء سعد الخليوي مساعد قائد قوات أمن الحج لإدارة وتنظيم المشاة فإن أهم الملامح الرئيسية لخطة إدارة المشاة الاعتماد على الطرق العلمية في إعداد الخطة من خلال الدراسات والخبرات المتراكمة لدى الأمن العام، والدراسات التي أعدها معهد خادم الحرمين الشريفين، ومن خلال ورش العمل التي نتج عنها الخروج بخطة ستطبق هذا العام لإدارة حشود مقدرة بنحو ثلاثة ملايين حاج، وترتكز الخطة على ثلاثة أهداف رئيسية هي التركيز على منع الافتراش ومنع حمل الأمتعة في الطرق المؤدية لجسر الجمرات أو بداخل منى وذلك بتسليمها لمتعهدي حفظ الأمتعة والتحكم في التدفق إلى جسر الجمرات، والمحافظة على السير في مسار واحد.
وأضاف أن الخطة ركزت في سياستها على جانبين، العنصر البشري المدرب والمشاركين من مدن التدريب في المملكة من خلال محاكاة الطلب قبل المباشرة في مهام الحج، والتعامل الحسن مع الحجاج، مضيفاً أن مشعر منى تم تقسيمه إلى مربعات ساخنة ومربعات أقل سخونة.
أما الأبراج السكنية التي عمدت وزارة الشؤون البلدية والقروية على إنشائها في سفوح الجبال في تجربة مشروع سكني هو الأول من نوعه، من خلال بناء ست عمائر في جبال منى تبلغ طاقتها الاستيعابية 20 ألف شخص وتبلغ تكلفتها أكثر من 270 مليون ريال فإنها باتت معلما عمرانيا يقف شاهدا على مستوى التقدم في الخدمة والرعاية لضيوف الرحمن، حيث خطفت تلك المباني بشكلها الهندسي الفريد مما دفع بالآلاف من الحجاج إلى التوافد خلال الأيام الماضية لمشاهدة تلك العمائر السكنية والوقف على تصميمها الجميل والتقاط الصور التذكارية بجوارها، حيث رصدت جولة ''الاقتصادية'' عديدا من الحجاج الذين قصدوها كمعلم جديد أضيف إلى المشاعر المقدسة وتخضع هذه الأبراج لمزيد من الدراسات والتجارب الميدانية من أجل وضع تصور مستقبلي للتوسع في البناء على سفوح جبال منى.

الأكثر قراءة