دولة الرئيس

بحثت عن مسببات التراجع المخيف لرياضتنا فوجدت من بين المسببات ظاهرة تعد من أبرز ظواهر التخلف التي طغت على المشهد الرياضي الخليجي تدعى "دولة الرئيس"*! سأرسم لكم بعضا من ملامح تلك الظاهرة في السطور القادمة.
"دولة الرئيس" هو رئيس نادٍ رياضي، علاقته بالرياضة أشبه بعلاقة الجاني بالضحية! اختزل النادي الذي يترأسه في شخصه وأصبح يتعامل معه وكأنه عزبة أو استراحة تقع ضمن أملاكه الخاصة، صور الرئيس على صفحات الجرائد والمجلات تفوق الإعلانات المبوّبة عددا، يصرح للصحافة أكثر من قائد الفريق، وينافس نجوم السينما بالظهور على شاشات التلفاز بمناسبة وبغير مناسبة! يكاد عشقه لذاته أن يؤدي به إلى إلغاء شعار النادي واستبداله بصورته.
يدير الرئيس العتيد شؤون ناديه من مجلسه العامر الذي يتألف في معظمه من بطانة تطمح إلى البطالة والاغتناء بلا عمل وتحترف النفاق.
في زاوية المجلس يجلس مهرّج يقدم وصلات ترفيهية ذات هدف "نبيل" وهو إبعاد الرئيس عن ضغوطات العمل اليومية! ويسير الحوار في المجلس باتجاهٍ واحد يحدده الرئيس وفقا لتقلبات مزاجه، أما الرأي الآخر فهو من محرمات المجلس ومن يختلف مع آراء الرئيس ينعت بالناقد الحاقد الجاحد الحاسد!!! ويمنع من دخول المجلس والنادي؛ لأنه بنظر الرئيس صاحب أفكارٍ هدامة و"دبّوس" لرئيس النادي المنافس.
في المختصر الملحق بالمجلس يجتمع الرئيس بالمقربين وهم نخبة الجلساء، أحدهم (مستشار فني) مهمته الحصول على مباركة الرئيس لتشكيلة الفريق قبل كل مباراة، والآخر (منسق إعلامي) يعمل على إيصال التوصيات والملاحظات إلى الأقلام الصحافية التي تعمل لحساب الرئيس، بالإضافة إلى (المرافق الخاص) المسؤول عن توزيع "الشرهات" وتسليم الشيكات.
في الغالب يشكّل الرئيس مجلس إدارة النادي من رواد مجلسه الخاص الذين لا يفقهون من الرياضة شيئا سوى لعب "البلوت"، هذا إذا اعتبرنا "البلوت" لعبة رياضية! ويسود مجلس الإدارة جو من الانسجام والتفاهم، حيث يكتفي الأعضاء بالاستماع إلى توجيهات الرئيس وترديد "سم طال عمرك"... "تم طال عمرك" في كل اجتماع.
علاقة الرئيس بلاعبي الفريق غالبا ما تكون مضطربة وفاترة؛ لأنها تتم عبر وسطاء، ولكنها تزداد انتعاشا وتصبح أكثر حميمية عند اقتراب موعد انتهاء العقود، وبالتالي يحرص الرئيس على كسب ود اللاعبين لكي يفرض عليهم شروطه في مفاوضات التجديد ويحصل على توقيعهم بأقل التكاليف.
أما علاقته بالجماهير فهي ذات بُعد نفسي وبُعد تكتيكي؛ هو أب الفوز وصانع الإنجاز وفي حالة الإخفاق، يتنصّل من مسؤولياته ويبحث عن كبش فداء! بعد ذلك يتوارى عن الأنظار وينطوي على نفسه في قصره، ومن ثم يتمارض ويسافر في رحلة نقاهة واستجمام مع جيشٍ من المرافقين تاركا خلفه موجة من الخلافات والانقسامات تعصف بالنادي... بعد البحث والتحري علمت بأن هوايات الرئيس المفضلة هي: إقالة المدربين واستبدال اللاعبين خلال سير المباريات من على معقده الوثير في المنصة عبر خدمة الرسائل القصيرة.

آخر فنجان: رفقا بنا يا رئيس، فحال رياضتنا بسبب «دولتك»... تعيس
* دولة الرئيس شخصية نسجتها من خيالي لتحاكي الواقع، وقد تكون حقيقية

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي