حتى تكون «قيمة مضافة»

يقول سادتنا علماء الإدارة والتسويق إن أهم عناصر إقبال العميل على السلعة هي أربعة: حاجة العميل إلى السلعة، التسويق الجيد لها، جودتها، وتطويرها الدائم بناء على تغيرات السوق وتطلعات العميل.
والمقال الصحافي بوصفه سلعة تجري عليه هذه العناصر الأربعة كذلك. فلا بد أن يجد القارئ في المقال سدا لحاجة فكرية أو مناقشة لموضوع يهمه أو متعة نفسية من نوع ما، وربما أفضل المقالات هي التي تختلف معها فتستفزك بطريقة ما إلى التفكير. بعد الحاجة إلى المقال وفكرته لا بد أن يكون المقال جيدا من حيث أصالة فكرته ومتانة تركيبه وسلامة لغته والتشويق المبثوث فيه.
ولكن مهما كانت حاجة القارئ إلى المقال ماسة، ومهما كانت جودة المقال عالية، فإن التطوير والتجديد واستقراء آراء القراء وتطلعاتهم أمر في غاية الأهمية. وكم في ثنايا صحفنا من ضحايا "التكلس الكتابي"!
من خلال هذه العناصر الأربعة للمقال الجيد، أعود إليكم في هذه الزاوية المتواضعة في "موسم كتابي" جديد. أعود وليس لدي قلق أبدا من العنصر الأول، حيث أحسب أن الحاجة إلى الأفكار التي تطرحها هذه الزاوية ماسة في هذا الوقت. فقد تفوق كتابنا في المقال الاجتماعي والفكري والسياسي والنقدي، وتفنن محللونا ومثقفونا في مناقشة أحوال المجتمع وتحولاته، ولكن أجد قلة في المقالات والأطروحات التي تعنى بالتنمية الذاتية وتطوير الذات وتقوية الفاعلية والقدرة على الحياة بسعادة يكتنفها أداء متوازن ومؤثر. وإذا آمنا بأن الفرد الفعال هو أصل كل نجاح مجتمعي وسر كل تقدم وطني أو أممي بدت لنا أولوية طرح هذه الموضوعات. ليس عندي إذن شك في حاجتنا الماسة لمثل هذا الطرح، التحدي الكبير أمامي الآن هو كيف أحسّن من جودة هذا المنتج وتشويقه، وكيف أجدد وأطور فيه باستمرار.
تأتي هذه المقالة الاستفتاحية لهذه الزاوية في بدء "موسم كتابي" جديد بعد 35 مقالة في العام الماضي حاولت جهدي أن أناقش فيها أفكارا أحسبها مهمة جدا تفاعل معها القراء بشكل كبير، كان أول المستفيدين منها هو أنا حقا وصدقا. فقد تعلمت من أفكاركم واستفدت من كل تفاعلكم. وصلتني مئات الإيميلات والتعليقات واتصل بي الكثير يناقشون بتفاعل مثير. أما أجمل التفاعل الذي نعمت به فهو تفاعل الطلاب والطالبات، فقد غمروني بأفكارهم واستنتاجاتهم وتعليقاتهم، مما حفزني لمواصلة هذا الطريق، وهو طريق غير معبد، يعرفه من جرب، خاصة مثل هذا النوع من المقالات. هذا الاستفتاح اليوم إذن يأتي استنطاقا لأفكاركم واقتراحاتكم وطلبا لنقدكم وتصحيحكم، واستمطارا لأفكاركم وتجلياتكم، سعيا لتطوير المنتج وتجدده الدائم.
كما تأتي هذه الزاوية إليكم كذلك متسقة مع رسالتي الشخصية في الحياة، بإضافة "قيمة" ذات معنى وفاعلية إلى نفسي أولا والآخرين حولي ثانيا، من خلال كل أنشطة حياتي الشخصية والعائلية والأكاديمية والعلمية والطبية والإدارية والثقافية والإنسانية. تهدف هذه القيم إلى عمارة نفسي أولا كأفضل ما يمكن أن تكون بشكل متوازن ومتكامل حتى أكون كما أراد الله لي، والإسهام في صياغة نماذج بشرية متميزة تصنع الفرق بالقدوة، والإسهام في تطوير أنظمة عملية واجتماعية فاعلة تبني الوطن وتسعد الإنسانية.. أبتغي بكل ذلك وجه الله ورضاه. فهذه الزاوية بالنسبة إلي إذن ليست نشاطا "غير صفي" أو موهبة أريد أن أنميها أو رأيا أريد أن أبثه أو وجاهة اجتماعية، هي جزء من رسالة شخصية آمنت بها وأريد أن أعيش ما بقي من عمري محاولا أن أؤديها.
بقي أن أقول، إني أعدكم بأنه في اليوم الذي لا أجد فيه منتجا نحتاج إليه جميعا، أو أعتقد أن جودة هذا المنتج لم تعد تفي بتطلعاتكم أو تليق بكم، أو ألاحظ أنني لم يعد عندي ما يستثير التأمل من فكرة فاعلة، أو تجربة مفيدة، أو مشروع منتج، أو مشاعر تجلب السعادة وتغذي الإنسانية، أعدكم عندها أن المنتج سينقطع عنكم وسيتوقف الكلام المباح، راجيا أن أكون قد أسهمت ولو بكلمة أو فكرة في أن ينبلج علينا الصباح.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي