تهم التحايل على العملاء باسم المصرفية الإسلامية .. الأسباب والحلول (1 من 4)

على الرغم من التطور المذهل الذي شهدته التعاملات المالية والاستثمارية والمصرفية على مستوى العالم، إلا أن البعض لا يزال يشكك في مصداقية ذلك النوع من التعاملات، ويعده نوعا من أنواع التدليس على العملاء والتضليل بهم في ظل استغلال قدسية الهيئات الشرعية وغياب الرقيب.
على النقيض من ذلك تماما، يتوجه جماهير المسلمين في أنحاء المعمورة للقبول بالتعامل بالمنتجات المالية الإسلامية، التي تقدمها البنوك والمؤسسات المالية، الأمر الذي يؤكده النمو الكبير في حجم التعاملات المالية الإسلامية على مستوى العالم، حيث ارتفع حجم أصول المؤسسات المالية الإسلامية على مستوى العالم من نحو 822 مليار دولار عام 2009 إلى أكثر من تريليون دولار عام 2010، ويتوقع أن تبلغ قيمة الأصول المالية الإسلامية 1.6 تريليون دولار في عام 2012، وأن تبلغ إيراداتها نحو 120 مليار دولار، كما أصبحت مؤشرات الأسواق المالية العالمية مثل ''داو جونز'' و''فوتسي'' تولي اهتماماً خاصاً بالمالية الإسلامية، بنشرها منذ عام 1999، مؤشرات خاصة بالأنشطة المتوافقة مع التشريع الإسلامي. كما تُشكّل المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية نحو 15 في المائة من أصول أكبر 30 مصرفاً في الشرق الأوسط، ويعمل أكثر من 430 مصرفاً ومؤسسة مالية إسلامية في أكثر من 75 دولة، ويوجد لدى أكثر من 191 بنكاً تقليدياً نوافذ إسلامية. ويُقَدَّر إجمالي أصول الصناديق الاستثمارية الإسلامية بأكثر من 27 مليار دولار موزعة على أكثر 478 صندوقاً استثمارياً إسلامياً في العالم كافة.
وقاد تطور التعاملات المالية الإسلامية المذهل على مستوى العالم الإسلامي مجموعة من فقهاء العصر المسلمين، الذين تلمسوا احتياجات السوق المالية والتجارة العالمية، للتعاملات المالية والمصرفية المشروعة، معتمدين في ذلك على فقه المعاملات والأدلة الشرعية ومقاصد الشريعة المرعية، وأظهروا في ذلك تفوقاً ملحوظاً للمنهج الشرعي وسلامته ونقاوة أسلوبه من الجهالة والغرر وأكل أموال الناس بالباطل.
رغم الجهود الكبيرة التي بذلها علماء وفقهاء المسلمين في الارتقاء بمستوى الخدمات المالية الإسلامية، والتأكيد على مشروعيتها وصفائها ونقائها من الشوائب والممارسات غير المشروعة إسلامياً، إلا أن البعض لا يزال، كما أسلفت، يشكك في مصداقية تلك التعاملات، وينظر إليها على أنها واجهة تستخدم للترويج للعمليات المالية التقليدية تحت غطاء التعاملات الإسلامية، بل إن ذلك التشكيك قد امتد ليطول هيكلية المنتجات الإسلامية، التي سبق أن تمت إجازتها شرعياً من قبل الفقهاء.
من بين أبرز اعتراضات البعض على المنتجات الإسلامية، الاعتراض على عقد بيع التورق، لكونه - من وجهة نظرهم - لا يختلف عن القرض التقليدي، ولا سيما أن التمويل بعقد التورق فيه زيادة في المبلغ المستحق (الأصل) بسبب الأجل، الذي يدخل في باب الربا.
يجيب عدد من الفقهاء عن هذا الاعتراض بأن مراعاة الزمن في تحديد السعر لا حرج فيه من الناحية الشرعية لكونه محل إجماع العلماء وجائز في العقود الآجلة، وبالتحديد في عقد السلم، لكن الأمر الذي لا يسوغ شرعا هو زيادة ثمن المبيع المتفق عليه مسبقاً (الدين) عند تأخر العميل عن السداد في الوقت المحدد، وهذا هو الذي لا ينطبق على المنتجات الإسلامية، كما أن الزيادة في الربح تكون في أصل ملموس (محل البيع)، فيكون المستحق الدفع للممول، هو ثمن الأصل مع الربح ويطلق على هذا مفهوم (المتاجرة بالسلع)، في حين أن الأمر في القرض يختلف عن ذلك تماماً، حيث يتم إقراض مبلغ نقدي ويكون سداد هذا المبلغ بزيادة نقدية عن أصل المبلغ، التي يعتبرها الفقهاء عين الربا، ويطلقون عليها مصطلحاً بـ (المتاجرة في النقود).
الاعتراض الثاني على عقد بيع التورق، هو أن الربح هو الفائدة الربوية نفسها، وأن مقدار الربح ونسبته وطريقة احتسابه مماثلة تماماً لمقدار ونسبة وطريقة احتساب الفائدة الربوية.
ويجيب الفقهاء عن هذا الاعتراض بأن التشابه في طريقة الاحتساب والتماثل في النسبة أو الاستدلال بمؤشر في السوق مثل اللايبور والسايبور (سعر الإقراض السائد بين المصارف في السوق) هو ما يحتمه تسويق المنتجات والمنافسة في العرض، وكل هذا لا حرج فيه من الناحية الشرعية، طالما أن العقد الذي بسببه أخذ هذا الربح جائز شرعاً، وأما إذا كان العقد غير جائز شرعاً فلا يجوز أخذ أي مبلغ سواء كان قليلا أو كثيراً.
هناك اعتراض آخر على تعاملات المالية الإسلامية، وهو أن بيع البنك بالمرابحة، هو بيع لما لا يملكه، وهذا الاعتراض قد نشأ بسبب أن عملية تداول السلع بين البنك والتاجر، ليست معلنة لعموم الناس، ما يجعل البعض يعتقد أن البنك لا يتملك السلعة، وهذا الاعتراض أجاب عنه الفقهاء، بأنه غير مقبول باعتبار أن عدم العلم بواقع الحال والإجراءات، التي تتم بين البنك والتاجر لا يدل على أن البنك لم يتملك السلعة محل البيع، كما أن البنوك تضع العديد من الإجراءات مع التجار والموردين، التي تضمن تملك البنك السلعة قبل بيعها، هذا إضافة إلى أن قبض البنك للسلع وانتقالها لضمانه لا يشترط له نقل هذه السلع إلى مخازنه، إنما يكتفي بأن تكون هذه السلع معينة للبنك ومميزة له عن غيرها، ويمكن تحقيق ذلك بتحديد الأرقام التسلسلية لهذه السلع أو أرقام وشهادات التخزين أو بفرز السلع التي اشتراها البنك وفصلها عن سلع التاجر.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي