الدراما بين الإحسان والإساءة
في كل عام يشهد شهر رمضان نقاشاً حاداً حول القضايا التي تتناولها الأعمال الدرامية، هذا النقاش يراوح بين هجوم شامل على جميع الأعمال الدرامية، وبين ما يختص بعمل واحد دون غيره، وذلك بسبب شهرة هذا العمل، وكثرة متابعيه، وبعض الأعمال تحظى بتقدير المتابعين لأنها تطرح قضايا حقيقية، يُشاهدونها في حياتهم اليومية، وبعض الطرح فيه مساعدة على تسريع حل إشكالات تعانيها بعض القطاعات.
هذا العام رأينا نقاشا حاداً حول الأعمال الدرامية، حتى من بعض المعنيين بالعمل الدرامي الذين هاجموا أغلبية الأعمال الدرامية، ووصفوها بالضعف والتسطيح، وبالطبع لم تخلُ الساحة من مدافعين عن هذه الأعمال.
الإشكالية التي تتكرر كل عام، وبرزت بشكل واضح هذا العام، أن بعض الأعمال الدرامية تتناول قضايا حساسة، ولا يتم تناولها بحيادية وموضوعية، بل تطغى المبالغة وأحيانا تفرض رؤية المؤلف والممثلين طابعاً خاصا على العمل، يجعل المتابع يشعر بأن هدف هذا العمل الهجوم على طرف أو توجه معين.
هذا العام ارتفعت أصوات عديدة لممثلين ومنتجين يطالبون بدعم العمل الدرامي، وتخصيص ميزانيات كبيرة له، رغم أن ما يصرف على العمل الدرامي من قبل القنوات الفضائية والتلفزيون السعودي ليس بالقليل، ورغم أن بعض الأعمال الدرامية كانت تعاني بخلا شديدا في الصرف عليها من قبل القائمين عليها، وبعضها يحمل نوعاً من الاستخفاف بالمشاهد، عبر وجود أخطاء وتناقضات كثيرة في مسار أحداثها، أو تكرار أحداث حلقات سابقة.
هذا العام رأينا أعمالا درامية أنتجها ومثل فيها ممثلون كبار، وكانت دون المستوى المطلوب، ورأينا أعمالا أخرى استطاعت أن تناقش كثيراً من القضايا بمهنية، وهذا يستوجب على القنوات الفضائية أن تنظر إلى العمل قبل أن تنظر إلى اسم أو تاريخ من يقدمه، وأن يتم تقييم العمل في ضوء جودته فحسب.
العمل الدرامي سيستمر ومجاله الأرحب قضايا المجتمع، ولهذا فمن يعتقد أن العمل الدرامي سيكف عن طرح هذه القضايا بسبب حملة هجوم أو انتقاد فهو مخطئ، ولهذا فلعل الحل يأتي عبر تيسير هذا العمل من قبل الجهات التي تتناولها الأعمال الدرامية، وتوفير مادة يمكن من خلالها الانطلاق في معالجة القضية بدلا من الامتناع عن التعاون، فيجتهد المعد ليخرج برؤية مبنية على الظن والتخمين فتكون بعيدة عن الواقع، والتعاون سيفيد الجهات المعنية من جهات، عدة، فهو سيطرح المشكلات التي يعانيها ذلك الجهاز، التي بعضها بسبب ضعف الإمكانات، والبعض الآخر بسبب تعقيد الإجراءات، أو ضعف تطبيقها، أو عدم وعي المواطنين بحقوقهم، كما سيكون من فوائد هذا التعاون إبراز جوانب إيجابية كثيرة قد تكون غائبة عن الطرح.
والملاحظ أن كثيراً من القطاعات حين يُطرح عبر وسائل الإعلام المقروءة قضايا تتعلق بعملها تسارع إلى الرد أو الإيضاح، في حين لا يشكل ما يُطرح عبر الأعمال الدرامية أهمية لها، ولا تسعى إلى رد فعل إيجابي، رغم أن العمل الدرامي أوسع انتشارا، وأكثر تأثيرا، ولو قامت القطاعات التي يتم تناول أعمالها في الأعمال الدرامية بالتفاعل الإيجابي عبر القناة نفسها التي يبث منها العمل الدرامي، بحيث تطلب طرح رؤيتها عن القضية في الفترة التي يبث فيها العمل الدرامي، لكان ذلك أجدى من تعليقات ومقالات نقرأوها عبر مواقع الإنترنت أو الصحف، ولا يطلع عليها أغلبية من تابعوا هذا العمل.