Author

الاستثمار الأجنبي المباشر وتوطين التكنولوجيا في المملكة

|
قبل قيام المفكر الاقتصادي روبرت سولو R. Solow، بإدخال عامل التقدم التكنولوجي على النظرية الكلاسيكية الجديدة للنمو الاقتصادي في بحثه المنشور عام 1956، كانت العملية الإنتاجية تعتمد على ثلاثة عوامل رئيسة، هي العمل ورأس المال والأرض (الموارد الطبيعية). في نموذج سولو للنمو يعد التقدم التكنولوجي (إضافة إلى رأس المال والعمل) المصدر الأساس للنمو الاقتصادي في الأجل الطويل. فمن خلال التقدم التكنولوجي، يمكن للاقتصاد أن ينمو بشكل مطرد ومستمر حتى وإن لم يحدث أي تغيير في كميات عناصر الإنتاج الأخرى، وذلك عن طريق رفع الكفاءة وزيادة الإنتاجية لعوامل الإنتاج. وعليه لم يعد النمو الاقتصادي مرتبطاً فقط بعوامل الإنتاج التقليدية، بل أصبح مرتبطاً بالتقدم التقني والمعرفي في البلد. في المقابل كان يعاب على هذه النظرية أنها لم تقدم تفسيرات منطقية لمصادر التقدم التقني والتكنولوجي، حيث افترضت هذه النظرية أن التقدم التقني يأتي من مصادر خارج نطاق النموذج؛ لذلك كان يطلق عليها "نظرية النمو الخارجية"Exogenous Growth Theory. هذا الأمر جعل بعض الاقتصاديين وفي مقدمتهم بول رومر P. Romer يطرح نظرية جديدة تربط النمو الاقتصادي بالتقدم التكنولوجي مباشرة وبصفة داخلية، سميت بـ "نظرية النمو الداخلية" Endogenous Growth theory. ففي هذه النظرية افترض رومر أن التقدم التكنولوجي يمكن الحصول عليه من خلال البحث والتطوير، ووجود عنصر بشري متعلم قادر على توظيف وسائل الإنتاج التوظيف الأمثل. بالرجوع للأدبيات الاقتصادية المتعلقة بتأثير الاستثمار الأجنبي المباشر على اقتصاديات الدول المضيفة لهذه الاستثمارات نجد أن إحدى المزايا التي يحققها هذا النوع من الاستثمار للبلد المضيف هي تقديم المعرفة والتقنية الإدارية والصناعية المطلوبة التي تساعد على زيادة الكفاءة الإنتاجية لعوامل الإنتاج. بمعنى آخر، يرى المؤيدون للاستثمار الأجنبي المباشر عن طريق الشركات متعددة الجنسية أن إحدى أهم الفوائد الإيجابية المتوقعة من هذا النوع من الاستثمارات هي نقل المعرفة والخبرات الإدارية know-how وتوطين التكنولوجيا الحديثة والمتطورة، إضافة إلى دعم عمليات الأبحاث والتطوير، خصوصاً في الدول النامية. على الرغم من مقدرة الدول النامية في الحصول على التقنية الحديثة من خلال قنوات عدة، يعد الاستثمار الأجنبي المباشر عن طريق الشركات متعددة الجنسية من أفضل الطرق للحصول على التقنية الحديثة؛ وذلك لأن هذا النوع من الشركات يمتلك من الوسائل والإمكانيات المالية الضخمة التي تسمح لها بالإنفاق الكبيرة على مشاريع البحث والتطوير، فضلاً عن مقدرتها على التنقل بيسر وسهولة عبر الحدود الدولية. فعلى سبيل المثال وصل عدد الشركات متعددة الجنسية في عام 2009 نحو 82 ألف شركة. وكانت قيمة أصول هذا الشركات تقدر بنحو 77.1 تريليون دولار، وبلغ الناتج المحلي للشركات ما يقارب 5.8 تريليون دولار في الفترة نفسها. من أحد الأهداف الأساسية من استقطاب رؤوس الأموال الأجنبية للاستثمار داخل المملكة هو نقل التقنية وتوطين التكنولوجيا. بالرجوع إلى نظام الاستثمار الأجنبي الصادر عام 1979، نجده أنه لكي يحصل المستثمر الأجنبي على ترخيص من وزير التجارة والصناعة، لا بد له أن يستثمر في مشروعات التنمية، وأن يكون مصحوباً بخبرات فنية وأجنبية. أيضاً نصت المادة الثالثة من اللائحة التنفيذية لتنظيم الهيئة العامة للاستثمار (الصادرة عام 2000) على أن تختص الهيئة بالعناية بشؤون الاستثمار في المملكة، وتقوم بإعداد سياسات الدولة في مجال تنمية وزيادة الاستثمار المحلي والأجنبي ورفعها للمجلس، على أن تتناول هذه السياسات بعض العناصر من ضمنها "نقل التقنية وتوطينها". مما لا شك فيه أن جهود الهيئة العامة للاستثمار خلال السنوات العشر الماضية أدت إلى زيادة مقدرة الاقتصاد السعودي على جذب رؤوس أموال أجنبية كبيرة من خلال تحسين بيئة العمل. حيث تشير البيانات الصادرة عن الهيئة عام 2010، إلى أن المملكة قد استقطبت ما قيمته نحو 35.5 مليار دولار في عام 2009 جعلها تحتل المركز الثامن عالميا في جذب الاستثمار الأجنبي المباشر. هنا يمكن أن نطرح السؤال التالي: هل استفاد الاقتصاد السعودي من هذه الاستثمارات فيما يتعلق بنقل وتوطين التكنولوجيا؟ للإجابة عن هذا السؤال يجب علينا أولاً معرفة مصدر هذه الاستثمارات، فلا يعقل أن كل استثمار يحمل في طياته أحدث ما توصل إليه التقنية الحديثة. بالرجوع إلى البيانات المشار إليها نفسها نجد أن نحو 33 في المائة من إجمالي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر عام 2009 قادمة من الدول العربية. جاءت الإمارات (بعد الولايات المتحدة) كثاني أكبر مستثمر في المملكة بنحو 3.8 مليار دولار بعد أن كانت المستثمر الأول عام 2008. هنا نواجه السؤال التالي: هل هذه الاستثمارات تحمل في طياتها المعرفة والتكنولوجيا المطلوبة التي سعت الحكومة في نقلها وتوطينها من خلال سن نظام الاستثمار الأجنبي المباشر؟ ماذا تمتلك الدول العربية من معرفة وتكنولوجيا وأساليب إدارية وتنظيمية لا تمتلكها المملكة؟ لا أحد يشك في أن الاقتصاد السعودي قطع شوطاً كبيراً من ناحية استخدام التقنية الحديثة في العملية الإنتاجية تضاهي ما هو مستخدم في الدول المجاورة، وعليه فإن الفائدة المرجوة (الحصول على المعرفة والمخبرات الإدارية وتوطين التكنولوجيا الحديثة والمتطورة) من هذه الاستثمارات لرفع الكفاءة وزيادة الإنتاجية لعوامل الإنتاج لم تتحقق، بل ربما كان هناك هدر للموارد الاقتصادية والمالية بسبب المزايا والحوافز التي تعطي للمستثمر الأجنبي. في اعتقادي الشخصي أنه حان الوقت للهيئة العامة للاستثمار في التركيز على نوعية وجودة الاستثمار الأجنبي المباشر من حيث القيمة الاقتصادية المضافة التي ستضيفها للاقتصاد السعودي.
إنشرها