فوضى في المدينة الفاضلة
أحداث الشغب التي عمت عديدا من المدن البريطانية بما فيها العاصمة لندن، كانت فرصة للتشفي من قبل ثلاثة أنظمة قمعية في المنطقة، هذه الأنظمة الثلاثة لا تفرق بين قمع وتنكيل يطول فئات عديدة من شعوبها منذ عقود عديدة، وبين مواجهة أعمال شغب هدفها القتل والتدمير والنهب.
إلى فترة طويلة كان الناس في مختلف أنحاء العالم يرون في العالم الغربي "المدينة الفاضلة" التي حققت للإنسان ما يؤمله من حياة كريمة وحقوق ورعاية اجتماعية متميزة، وكان وقوع قلاقل أو اضطرابات في هذه الدول أمراً مستبعداً، وعاشت هذه الدول في أمن وأمان وهي ترقب من علو ما يحدث في دول العالم الثالث من اضطرابات، معتقدة أنها بمنأى عن أية قلاقل، ولم تعر الأوضاع والمتغيرات الاقتصادية التي عصفت بكثير من الدول القريبة منها اهتماماً، كما لم تهتم بما نشأ فيها من طوائف من الناس، تعيش على الكفاف، وتشعر بأن النظام الرأسمالي ظلمها، وتنتظر أي ضعف أو خلل لتخرج إلى السطح.
ما حدث في المدن البريطانية ابتداء من لندن كان مفاجئاً للجميع، بما فيه الحكومة البريطانية التي جاءت ردة فعلها مرتبكة وخائفة، بسبب سرعة انتشار الأحداث، وعجز أجهزة الأمن عن مواجهتها، والخوف من استمرارها، فتؤثر في موسم سياحي مهم لاقتصاد البلاد، وفي استعدادات تجري لاستضافة بطولة رياضية دولية، ونال أجهزة الأمن لوما شديدا على عدم استعدادها لمثل هذه الأحداث، وبرز هذا اللوم من خلال التصريحات، ومن خلال ما جرى من نقاشات في جلسة البرلمان البريطاني التي عقدت يوم الخميس الماضي لمناقشة هذا الوضع.
دار النقاش حول ضعف إمكانات الشرطة ونقص كفاءتها، وانتقد بعض النواب وقوف الشرطة المتفرج على أحداث الشغب، وما جرى من تخفيضات في ميزانية الشرطة.
رئيس الوزراء ديفيد كاميرون من جانبه أشار إلى أنه ستتم الاستعانة بالجيش إذا وقعت اضطرابات أخرى، وأنه سيتم استخدام وسائل أكثر قوة لمواجهة الشغب، ودعا كاميرون إلى إعادة النظر في القواعد التي تحكم عمل الشرطة، ثم أعلن عن الاستعانة بقائد شرطة نيويورك السابق لتقديم النصح والاستشارات للشرطة البريطانية، وتم نشر أكثر من 16 ألف شرطي في شوارع لندن بدلا من 2500، وجرت عمليات اقتحام طالت الكثير من المنازل في لندن وخارجها، بحثاً عن مثيري الشغب.
ما حدث في بريطانيا من أحداث شغب وردود الفعل على هذه الأحداث، تبين أن ليس هناك دولة بمنأى عن الاضطرابات، فحادثة واحدة مهما كانت بسيطة يمكن أن تؤدي إلى قلاقل تنتشر بسرعة غير متوقعة، كما يبين أن دول العالم الأول التي طالما وضعت نفسها وصياً على الدول الأخرى، توجه وتنتقد، بل تفرض رؤيتها على الأحداث، يمكن أن يقع فيها ما يدفعها إلى التعامل مع الوضع كما يتعامل غيرها متخلية عن رزانتها وكثير من مبادئها.