هل وضعنا الأولويات الصحيحة للتصدي لتحديات الطاقة التي نواجهها؟

قد تستعمل إحداها لتجفيف شعرك، أو غسل أواني المطبخ. وهناك واحد في كل مصعد وفي كل نظام للتهوية. أما في قطاع الصناعة فهي تشغل الآلات، والمضخات، والمراوح، والنواقل وغيرها. أرجو أن تكونوا قد أدركتم ما أتحدث عنه، فأنا أتحدث عن المحركات الكهربائية. فهي فعليا موجودة في كل مكان وتستهلك الكثير من الطاقة.
وفي الحقيقة، فإن المحركات الكهربائية هي أكبر مستهلك للكهرباء. وتستهلك المحركات الكهربائية ما يقرب من 45 في المائة من الاستهلاك العالمي للطاقة الكهربائية، حسب تحليل جديد لوكالة الطاقة الدولية. أما الإنارة فتحتل المركز الثاني في استهلاك الطاقة الكهربائية وتستهلك 19 في المائة من الطاقة الكهربائية في العالم.
وتحليل وكالة الطاقة الدولية تحليل يستدعي منا الوقوف عنده. فهو يعني أن محطة من كل محطتين لإنتاج الطاقة الكهربائية تقوم بعملها لإنتاج الطاقة اللازمة لتشغيل المحركات الكهربائية. وعليه، فالمحركات الموجودة في العالم تستهلك من الطاقة خلال 60 ثانية فقط ما يكفي لتزويد 1246 منزلا في الشرق الأوسط باحتياجاتها من الطاقة خلال سنة كاملة.
ولو أردنا أن نعيد صياغة ما سبق، فسنقول إنه إن أخذنا كل الطاقة الكهربائية التي تنتج في العالم من بداية السنة وحتى تاريخ 16 حزيران (يونيو)، فسيكون لدينا من الطاقة ما يكفي لتشغيل المحركات الكهربائية الموجودة في العالم لمدة سنة.
وهذه الدراسة هي التحليل العالمي الأول لاستهلاك الطاقة في المحركات الكهربائية، أما الحقيقة المذهلة الأخرى التي يكشفها ذلك التحليل فهي ما مقدار الطاقة التي يمكن توفيرها من التي تستهلكها المحركات الكهربائية. فالكثير من المحركات لا تتميز بالكفاءة، أو أن حجمها لا يتناسب مع سبب استخدامها، أو أنها تعمل في أوقات يجب ألا تعمل فيها. وتشير الدراسة إلى أنه من الممكن بالإضافة إلى خفض تكلفة تشغيل المحركات أن نوفر بين 20 و30 في المائة من استهلاك المحركات الكهربائية للطاقة، التي توازي بين 9 و14 في المائة من الإنتاج العالمي لاستهلاك الكهرباء في العالم.
وقد يعتقد المشككون أن تحقيق وفرة وفوائد كبيرة من زيادة كفاءة المحركات قد يكون أبعد من أن يكون حقيقيا. والسبب في وجود إمكانات توفير كبيرة لم يتم استغلالها هو في رأي وكالة الطاقة الدولية وجود العديد من العوائق التي تجعل من الصعب جني فوائد ذلك العمل.
وتبرز تلك العوائق بشكل واضح نتيجة لدراسة مسحية لمديرين صناعيين أجريت هذا العام بواسطة وحدة المعلومات في مجلة "الإيكونوميست" بالنيابة عن شركة "أيه بي بي". بينت الدراسة أن 60 في المائة من العاملين في الصناعة لم يستثمروا في تحسين كفاءة الطاقة أي رأسمالهم أو مصانعهم أو معداتهم خلال السنوات الثلاث الماضية.
وأشار المديرون إلى عدم وجود دراسة مالية واضحة للاستثمار في كفاءة استهلاك الطاقة، إضافة إلى الافتقار إلى التمويل اللازم ونقص المعلومات عن خيارات كفاءة الطاقة باعتبارها العوائق الثلاثة الرئيسة لاستثمار شركاتهم على نطاق واسع في كفاءة استهلاك الطاقة.
وتعد هذه مفاجأة، في ضوء ما يمثله استهلاك المحركات من الطاقة الكهربائية والذي يبلغ ثلثي الطاقة المستهلكة في الصناعة، وفي حين أن التكلفة السنوية لاستهلاك الطاقة الكهربائية لتشغيل المحركات في الصناعة يمكن أن تصل إلى سبع أضعاف قيمة تلك المحركات.
سيذهب تقرير وكالة الطاقة الدولية إلى أهمية رفع الوعي؛ إذ إن ذلك يسد فجوة مهمة في الجدل الدائر حول الطاقة والمناخ، وذلك بإيضاح بعض الحقائق المؤلمة حول موضوع كانت القياسات والتحليلات المستقلة تنقصه. إلا أنه يشير وبوضوح إلى الدور المركزي لصناع السياسات في الوصول إلى الوفورات المحتملة في استهلاك الطاقة في المحركات الكهربائية: فمستويات الكفاءة كانت في أعلى مستوياتها عندما كان صناع السياسات أكثر نشاطا، مثلما هو الحال في الولايات المتحدة وكندا والصين.
وفي هذا السياق، فإن تاريخ 16 حزيران (يونيو) يعتبر علامة فارقة بالنسبة للاتحاد الأوروبي. ففي ذلك التاريخ دخلت الإجراءات اللازمة لتحسين كفاءة المحركات موضع التنفيذ في المنطقة الأوروبية، والتي ينتظر لها أن تسهم في توفير (135 تيرا واط ساعة) TWh من الطاقة الكهربائية في السنة بداية من 2020. ويساوي ذلك ما ينتجه 22 مفاعلا نوويا، وتمثل توفيرا على قطاع الصناعة في الاتحاد الأوروبي بما لا يقل عن 63 بليون ريال سعودي (12 بليون يورو) في السنة على اعتبار أسعار الكهرباء في الوقت الحالي.
وتعد ألمانيا العدة لإغلاق جميع مفاعلاتها النووية خلال العقد المقبل؛ إذ ستلعب الإجراءات التي تم اتخاذها في استخدام أكثر كفاءة للطاقة دورا مهما في مساعدة أكبر اقتصاد في أوروبا على مواصلة نموه دون مواجهة نقص في الطاقة.
وتنعكس أهمية المحركات الكهربائية في لغتنا: فحين نشير إلى دولة أو صناعة معينة على أنها محرك للنمو، فإننا في الواقع نسلط الضوء على تلك الأهمية الكبيرة. إن تقرير وكالة الطاقة الدولية يعيدنا إلى الأصول، لكي ندرك الدور المهم الذي تلعبه المحركات في اقتصادنا. فقد حان الوقت لنضع المحركات في قلب استراتيجياتنا لمواجهة تحديات الطاقة والمناخ التي تواجهنا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي