الحديد يعقد المسألة
كان قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترمب إضافة 25% على واردات بلاده من الحديد متوقعاً. هذه الرسوم صارت الآن 50% فرضها على معظم الدول، باستثناء بريطانيا التي تتمتع حتى الآن بمعاملة خاصة بعض الشيء من الجانب الأمريكي. لكن هذه المعاملة قد لا تحتفظ بخصوصيتها في المستقبل، إذا ما تبدلت المواقف بين البلدين.
التعبير الأكثر استخداما عند حكومات الدول المتضررة من الرسوم الجديدة "إنها غير مبررة وغير قانونية"، ولاسيما تلك الآتية من الجار الكندي، الذي تبلغ صادراته من الحديد والألمنيوم إلى البر الأمريكي أكثر من 30 مليار دولار، بينما بلغت قيمة الصادرات الأوروبية مجتمعة للأمريكيين من هذه السلعة المحورية، نحو 78 مليار يورو.
الخطوة "الحديدية" الجديدة، جاءت في خضم مفاوضات وصفت أحيانا من بعض المتفاوضين بأنه قاسية. الجانب الخاص بالرسوم على الحديد والصلب والألمنيوم، لا شك يعقد المسألة بصورة أكبر، إلا أن ترمب يعي تماما أنه لا يمكن محاربة ما بـ"الإغراق" إلا عبر رسوم مرتفعة، وهذا سيساعد على خلق التوازن في التبادل التجاري مع الأطراف الرئيسية المصدرة للولايات المتحدة.
يراهن المتضررون على أن رفع الرسوم على هذا النوع السلع في ظل سير مفاوضات التجارة مع واشنطن، على المعاناة التي ستصيب الصناعات الأمريكية والعمال فيها، إضافة بالتأكيد إلى المستهلك المحلي، لأنها ببساطة سترتفع أسعار المنتجات، ولا سيما السيارات والمركبات وكل ما يدخل الحديد والألمنيوم في صناعته. إلا أن ذلك لا يوفر ضمانات، بتغيير البيت الأبيض لتوجهه العام بهذا الصدد.
ما هو مُلح الآن، هو إنجاح المفاوضات التجارية بأسرع وقت ممكن. وعلى كل الأطراف أن تقدم "عروضها" الضامنة لاتفاقات يمكنها أن "تعيش" لفترة طويلة. فالوضع التجاري العالمي، لا يتحمل حقاً استمرار "المواجهات التجارية"، ولا سيما تلك التي تأخذ بعداً "متطرفاً" وتهديدياً.
والواضح، أن الجانب الأوروبي يعد الأكثر انفتاحا على طرح المبادرات التوفيقية، بما في ذلك في ذلك الحفاظ على حقوق العمال الدولية، والمعايير البيئية، والأمن الاقتصادي، وتقليص الرسوم الجمركية تدريجيا إلى الصفر من كلا الجانبين، إلى جانب استثمارات متبادلة، ومشتريات في مجالات الطاقة والاتصال الرقمي، والذكاء الاصطناعي. إنها عروض ليست مغرية كلها لإدارة دونالد ترمب، لكنها يمكن أن تشكل أساساً للحراك التوافقي المأمول في المستقبل القريب جداً.
الخطوة المهمة الآن، هي تلك التي تختص بكندا بحكومتها الليبرالية الجديدة بقيادة مارك كارني، والبيت الأبيض الأمريكي. التوتر مازال حاضراً بين الجارين "الإستراتيجيين"، لكن لا بد من تنازلات تشمل واشنطن وأوتاوا، لفكيك "أسلحة" حرب تجارية لا أحد يريدها.