هل يوقف الغاز زحف الطاقة المتجددة؟

ما أكثر مصادر الطاقة تلويثا للبيئة؟ ما أكثر مصادر الطاقة إصدارا لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري؟ ما هو ''ملك'' مصادر الطاقة في الدول الصناعية؟ الجواب هو: الفحم! هل هناك ثورة ضد هذا ''الملك''؟ نعم. من يقود هذه الثورة؟ الغاز! هل سيعزل الغاز الفحم ويحتل عرشه؟ نعم، هل يهدد الغاز مستقبل الطاقة المتجددة؟ نعم. انتهى الملخص، والتفاصيل أدناه.
بدأ الغاز ثورته ضد الفحم منذ نحو ثلاث سنوات، حيث تشير البيانات الأمريكية إلى زيادة حصة الغاز في توليد الكهرباء على حساب الفحم في السنوات الأخيرة نتيجة وفرة الغاز وانخفاض أسعاره. فقد ارتفع استخدام الغاز في قطاع الكهرباء منذ عام 2000 بنحو أربعة مليارات قدم مكعبة يوميا، الأمر الذي رفع حصة الغاز في قطاع الكهرباء من 21 في المائة إلى 24 في المائة، في الوقت الذي انخفضت فيه حصة الفحم من 48 في المائة إلى 45 في المائة.
وإذا نظرنا إلى أسعار الغاز والفحم في الأسواق المستقبلية نجد أن تكلفة الغاز في محطات الكهرباء ستظل أقل من تكلفة الفحم خلال السنوات القادمة، الأمر الذي يهدد الفحم بقوة. فتكلفة الغاز حاليا في محطات الكهرباء نحو 4.7 دولار لكل ألف وحدة حرارية، بينما تكلفة الوحدات الحرارية نفسها تتجاوز ستة دولارات إذا جاءت من الفحم. وإذا نظرنا إلى الأسواق المستقبلية فإن تكلفة الغاز في عام 2018، مثلا، تبلغ 5.8 دولار لكل ألف وحدة حرارية، بينما تكلفة الوحدات الحرارية نفسها المنتجة من الفحم أعلى من ذلك بنحو دولار واحد. وسيزيد هذا الفارق بشكل كبير؛ إذا تم فرض قوانين بيئية تجبر شركات الكهرباء على إغلاق بعض المحطات العاملة على الفحم، وتعديل المحطات الباقية لمقابلة الشروط البيئية الجديدة.
ويذكر أن للنفط دورا ضئيلا في توليد الكهرباء في الدول الغربية، لذلك فإن طاقة الرياح والطاقة الشمسية ليست منافسة للنفط، إنما منافسة للفحم والغاز. وبما أن الغاز هو الأرخص والأنظف بيئيا، فإنه من المنطقي أن يصبح الغاز ''ملك'' مصادر الطاقة في المستقبل، لكن القصة لا تنتهي هنا، ولها تفاصيل متشعبة.
أولا: ما كان لطاقة الرياح والطاقة الشمسية أن تتوسع بالشكل الذي عليه الآن لولا التدخل الحكومي والإعانات الحكومية بسبب تكلفتها العالية، بينما تقوم صناعة الغاز بدفع ضرائب هائلة للحكومات. ورغم كل هذه الإعانات للطاقة المتجددة، ورغم كل الضرائب التي تدفعها صناعة الغاز، إلا أن الغاز ما زال أرخص من كل مصادر الطاقة الأخرى، خاصة في الولايات المتحدة. فتكاليف الكهرباء من الغاز تراوح بين 6.1 و6.5 سنت لكل كيلو واط ساعة، بينما تبلغ تكاليف الطاقة الكهرومائية ثمانية سنتات، والفحم التقليدي تسعة سنتات، والرياح 9.7 سنت (والتي تتضمن الإعانات الحكومية ولا تتضمن تكاليف محطات الغاز الاحتياطية)، والطاقة النووية 12.8 سنت. أما تكاليف الطاقة الشمسية فإنها تراوح بين 21 سنتا و31 سنتا لكل كيلو واط ساعة. هذه البيانات تؤكد أن الغاز يهدد نمو الطاقة المتجددة.
ثانيا: الفارق بين تكاليف إنتاج الكهرباء من طاقة الرياح ومن الطاقة الشمسية وتكاليف إنتاجها من الغاز أعلى مما ذكر سابقا إذا تم حساب التكاليف كاملة، فتكاليف إنتاج الكهرباء المذكورة أعلاه لا تتضمن تكاليف محطات الغاز التي يتم إنشاؤها كاحتياطي لتغطية الفترات التي تتوقف فيها الرياح أو تحجب فيها الشمس. كما أنها لا تتضمن تكاليف عدم الوفاء بالتزاماتها بإنتاج كميات معينة من الكهرباء، بينما تُجبر مصادر الطاقة الأخرى على ذلك.
ثالثا: الغاز، كان وما زال، الأفضل بيئيا، خاصة إذا تم حساب الآثار البيئية لتصنيع عنفات الرياح ولوحات الطاقة الشمسية، وتكاليف التخلص منها كنفايات في المستقبل. كما أن هناك فوائد بيئية من التحول من الفحم إلى الغاز في قطاع الكهرباء في الدول الصناعية عديدة أهمها أن حرق الفحم ينتج عنه غازات ضارة مثل أكسيد الكبريت، التي لا توجد في الغاز، وتوجد مواد أخرى في الفحم مثل الزئبق، الذي لا يوجد في الغاز. ويتبقى من حرق الفحم مواد صلبة ضارة مثل الرماد، بينما لا يتبقى من حرق الغاز أي مواد صلبة. وتشير الدراسات إلى أن تحول محطات الكهرباء من حرق الفحم إلى حرق الغاز يؤدي إلى تخفيض غازات النيتروجين بمقدار 80 في المائة، وغاز ثاني أكسيد الكربون بمقدار 55 في المائة. وتشير بعض الدراسات الأكاديمية إلى أن تحول قطاع الكهرباء في كل من الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية سيجعلها تفي بمتطلبات كويوتو، التي كان يعتبرها البعض صعبة المنال.
رابعاً: الطاقة الشمسية محدودة، حيث إن جدواها الاقتصادية، بعد الدعم الحكومي، لا تظهر إلا في مناطق معينة. وعلى خلاف ما يعتقد البعض، فإن الطاقة الشمسية حسب التكنولوجيا الحالية غير مجدية في البلاد المشمسة والصحاري والمناطق ذات الرطوبة العالية. فالتكنولوجيا الحالية تجبر الخلايا الشمسية على التوقف تماما إذا وصلت الحرارة إلى حد معين، غالبا فوق 48 درجة مئوية، كما أن هناك علاقة طردية بين انخفاض الكفاءة وارتفاع درجة الحرارة. لهذا فإن دول البحر المتوسط أكثر ملاءمة للطاقة الشمسية من دول الخليج والمناطق المماثلة. ولهذا السبب فإن بعض دول الخليج تعمل جاهدة على تطوير تكنولوجيا الطاقة الشمسية لتفادي مشكلات انخفاض الكفاءة في الجو الحار. وهناك مشكلات أخرى تعانيها الطاقة الشمسية في المناطق الصحراوية أثناء الأعاصير الرملية، حيث تغطي الرمال الصفائح وتحجب عنها الشمس، وتنظيفها يرفع التكاليف ويغير من اقتصاديات اقتصادات الطاقة في المنطقة. إضافة إلى ذلك، فإن كفاءة الطاقة الشمسية في المناطق الساحلية الحارة منخفضة، الأمر الذي يؤثر في جدواها الاقتصادية.
سادسا: الفائدة الاقتصادية من طاقة الرياح هي الاستفادة منها في أوقات الذروة كرديف للطاقة الأساسية، لكن المشكلة أن وقت الذروة هي فترات الحر الشديدة، وسبب الحر الشديد هو عدم وجود رياح!
خلاصة الأمر أن الغاز سيصبح ملك مصادر الطاقة كلها، وتكاليفه البسيطة ومنافعه البيئية ستجعله يحقق مكاسب على حساب الفحم، وسيوقف زحف الطاقة المتجددة. وإذا أسفرت حالات التقشف الحالية عن انخفاض موازنات دعم الطاقة المتجددة في كل من الولايات المتحدة وأوروبا، فإن الغاز سيبدأ بوأد بعض مصادر الطاقة المتجددة. عليكم بالغاز يا جماعة!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي