Author

التسويق الشبكي وضرورة حفظ عقولنا وأموالنا من العطب

|
التسويق الشبكي ـــ الذي يسوق فيه العميل لمنتج الشركة بشرط شرائه، أو بشرط يؤول للشراء، ثم يحصل هذا المسوق على عمولات تنهال عليه من جهود مسوقين آخرين وهو متكئ على أريكته متى نجح في اختيار مسوقين يجيدون أسلوب الإقناع لشراء المنتج ـــ هذا التسويق هو من أكثر مسائل المعاملات المالية المعاصرة التي حظيت بفتاوى المنع، فقد صدرت فيه فتاوى بالتحريم من اللجنة الدائمة للإفتاء، ولجنة الفتوى بجماعة أنصار السنة بمصر، ومجمع الفقه الإسلامي في السودان، ودائرة الإفتاء في حلب، وعدد من الفقهاء المعاصرين، من أبرزهم: الدكتور علي محيي الدين القرة داغي، والدكتور رفيق المصري، وأذكر قديما أني قرأت بحثاً مميزا للدكتور سامي السويلم حول هذا الموضوع، وقد كان له موقف واضح بالمنع تجاه هذه المعاملة. إن التسويق الشبكي من الموضوعات القديمة الجديدة، فهي قديمة إذ وجدت في المجتمعات الغربية قبل نحو 50 عاما أو أكثر، ووجدت في بلادنا العربية منذ نحو عشر سنوات. وهي جديدة لأن شركاتها ما إن تتلاشى حتى تبدو من جديد في أسماء جديدة، فقد ظهرت في السوق السعودية عدة مرات حتى إذا انتشرت وحصدت ملايين الريالات وبدأ سوقها بالأفول بظهورها على حقيقتها، تظهر شركة أخرى باسم جديد لتحصد ملايين الريالات من عملائها المسوقين، وأحياناً تتجدد باسم تجاوز المحظورات الشرعية، كما وقع في السودان مثلا، حيث ظهرت شركة كويست نت والتزمت لعملائها بأنها ستلتزم في عملها بما جاء في فتوى مجمع الفقه الإسلامي السوداني، فأعطاها المجمع فتوى بالجواز، حتى إذا انهالت أسئلة المستفتين على المجمع بواقع عمل هذه الشركة، رجع المجمع عن فتواه، وأصدر قراره بالمنع، ومما جاء في القرار: (.. ومما يؤسف له فقد تَبَيَّن للدائرة الاقتصادية بالمجمع بعد أن استمعت لكم ولكبار المسوِّقين، وبعد أن اطلعت على المستندات التي قدمتموها؛ أن شركة كويست نت لم تلتزم بشرط إلغاء شرط شراء المنتج لاعتماد مسوِّقي الشركة، وهو كما سبق شرط جوهري لتخليص التسويق الشبكي من صفة القمار...). وهكذا نسمع اليوم عن وجود شركة بالمملكة تسوق لنفسها بأنها لا تلزم بشراء المنتج، على أساس أخذ المسوق له، وعرضه على العميل المستهدف، فتبين بالسؤال أن الشركة لا تقبل من المسوق إعادة المنتج إلى الشركة إن نكل العميل عن الشراء، فصارت الشركة في النهاية تلزم بشراء المنتج الذي هو السبب الرئيس في المنع من هذه المعاملة. إن التسويق الشبكي له أنصاره اليوم ممن يريد الثراء السريع، سواء من ملاك أو مسوقين، وذلك إما بنشر فتاوى لفقهاء قد تراجعوا عن فتواهم بالجواز، وإما بنشر تقارير مضللة عن واقع التسويق الشبكي ورسم صورة وردية عنه، أو باعتباره البديل المباح عن التسويق الهرمي، في الوقت الذي لا يعد فيه التسويق الشبكي إلا صورة مخففة من الضرر اللاحق بالمسوقين في التسويق الهرمي، وإذا كان في شركة صاعدة اليوم للتسويق الشبكي بالمملكة عملاء يزيد عددهم على الـ 30 ألف مسوق، فإن من سيندد بهذا المقال 30 ألفا، كلهم يدعي أن هذا هو الاستثمار الأمثل، إذ يقول بعضهم في تعليقه في الإنترنت، وربما كان بعض هؤلاء من الملاك: ''من خلال هذه الأعمال نستطيع تأمين مستقبلنا ومستقبل أولادنا''. ويقول آخر: ''التسويق الشبكي هو مستقبل (الأمم!!) وفرصة العمر لكل شخص''. ويقول آخر: ''التسويق الشبكي فرصة حقيقية لتغيير الوضع المادي والاجتماعي، وفرصة لعمل أكبر مشروع تجاري تديره بنفسك، وبأقل تكلفة، مشروع لا يحتاج إلى شهادات، ولا إلى رأس مال، ويعطيك قدر ما تعطيه من جهد''. ويقول آخر: ''تعلمت الكثير وربحت الكثير من المال والصداقات، وتعلمت أسلوب الإلقاء، وأسلوب الحوار..''، ومن الغني عن القول أن التسويق الشبكي للمنتج لا يتطلب مهارة في الاستثمار، بقدر ما يتطلب مهارة في الإلقاء، وأوضح من هذا لو قال: يتطلب مهارة في التضليل..! ويقول آخر: ''ما زال الناس يذكرون بيزناس، المدرسة الأولى لعلم التسويق الشبكي في السعودية. التسويق الشبكي أكبر وأرقى مدرسة في تعليم البيع والتسويق والتجارة، والتطوير الذاتي، ومهارات الاتصال، وبناء المستقبل. تعلمنا في التسويق الشبكي ما لم نتعلمه في جامعاتنا ومدارسنا..!!!''، طبعاً هذه الشركة اختفت عن الأنظار مدة من الزمن بعدما حصدت الملايين، ثم ظهرت بأشكال مختلفة، كما ذكر ذلك أخونا زاهد بلفقيه في بحثه المصغر بعنوان: ''التسويق الشبكي تحت المجهر''، وقد ذكر عبارة جميلة، تلخص ما يقوم عليه التسويق في هذه الشركة، وهي: ''اشتر لتسوق فقد تكسب''، وهي تعبر عن واقع القمار الذي أنكره فقهاؤنا المعاصرون في هذه الشركة، إضافة إلى ما في هذا النوع من الشركات من غرر، وغيره. لقد أبدع بعضنا في استنساخ تجارب غربية اعتبرها كثير من اقتصادي العالم العربي والغربي نوعاً من أنواع الغش التجاري، وصنفتها بعض الدول على هذا الأساس، كما أن المنتج فيه لم يعد هدفا - مهما غلا ثمنه - بل أصبح وسيلة للحصول على النقد من شبكات قد تمتد، وقد تنقطع في أول الطريق، كما لم تعد الكفاءة في المنتج هدفا بقدر ما أضحت الكفاءة في صيد العميل هي الهدف الرئيس. إننا ينبغي ألا نأخذ من الغرب ما يسوء كالبيع على المكشوف، والمضاربة المحمومة في الأسواق المالية، والتسويق الشبكي ونحوه، بل يجب أن نأخذ منهم المفيد النافع من الاستثمار الحقيقي، الذي يبني أصولاً حقيقية، وينتج أصولاً مستهدفة حقا. إنني لا أعلم من قال بجواز التسويق الشبكي بإطلاق، إلا أحد ثلاثة: إما فقيه قال بالجواز ثم تراجع بعد ظهور الجانب الحقيقي للمعاملة. وإما فقيه قال بالجواز بضوابط محددة ولو طبقت الضوابط لانتفى التسويق الشبكي برمته. وإما فقيه قال بالجواز أخذاً بظاهر العقود، كما نص عليه من قال بالجواز، والأخذ بظاهر العقود دون معانيها من الأقوال الضعيفة، والتي أجهز عليها جمهور العلماء بأدلة لا تقبل النقض. ومما يشكر لوزارة التجارة أنها لا ترخص لشركات كهذه، ولكن المؤسف أن بعض شركات التسويق الشبكي تستغل ترخيص الوزارة في بيع المنتج لإبراز رقم الترخيص للسجل التجاري في الدليل الموزع بين المسوقين؛ لإيهامهم بأن الوزارة ترخص لهذا التسويق الشبكي..! ولا ينقضي عجبي ممن يقول إن التسويق الشبكي من أسباب القضاء على البطالة، بتشغيل الشباب كسماسرة ووسطاء عوضا عن وكيل المنتج، وتاجر الجملة، وتاجر التجزئة، كما أن مصدر المنتج يصل إلى المستهلك مباشرة عبر الوسيط، لينخفض بذلك سعر المنتج، وهذا لو تم بوضعه الطبيعي فلا غبار عليه ـــ حيث لا يدخل المنتج بين المصدر والسمسار؛ لئلا يكون وسيلة هدر مالي للمسوق ـــ كما يقوم المزارعون ببيع منتجاتهم مباشرة للعميل، أو بواسطة سمسار يأخذ على سمسرته أجرا، لكن الواقع بخلاف ذلك تماما، فالمنتج غالباً يباع بأغلى من سعره الحقيقي، وأحيانا يضفى عليه بهارات كثيرة لإبراز قيمته، وأحياناً يعلب المنتج، ويسبل عليه أنواع الشفاء من أمراض العالم كله، حيث لو تحقق نصفها لأغلقت المستشفيات والعيادات، ولتحول المرضى إلى أصحاء..! وبقراءة مقدمة دليل المشروع التسويقي لمنتج إحدى شركات التسويق الشبكي، نجد أن النتيجة المفهومة من السياق هي: أن المنتج لو تناوله الأصحاء لأسهم في وقاية 32 مليون فرد من مرض القلب، وأكثر من 250 مليون فرد من مرض السكري، وأكثر من 300 مليون فرد من مرضى الربو، وأكثر من 1200 مليون فرد من مرضى ضغط الدم، و.. و..!! وهذا هو السر الذي جعل المنتج يستجلب من غابات تطل على نهر في أمريكا اللاتينية..! وبهذه المقدمة للمنتج أختم مقالي هذا بأن يحفظ عقولنا وأموالنا من العطب.
إنشرها