حياتنا .. بين إفراط وتفريط
في مكان بارز داخل أحد المحال التجارية الكبرى والشهيرة في مدينة الرياض، عُرض جهازٌ يُمكن من خلاله استخدام مطهر اليدين دون لمس علبة المطهر، وذلك مبالغة في النظافة، وحرصاً على البعد عن أي ملوثات بما فيها علبة المطهر، هذا الجهاز لم يوضع في مكان بارز من المحل إلا بسبب الإقبال على شرائه، مما يعني أن هناك وعياً لخطورة التلوث، ورغبة في الحصول على أحدث ما تنتجه المصانع من مطهرات، أو أدوات تحد من مخاطر التلوث، وقبل أن يسأل القارئ الكريم عن الجديد في هذا الأمر، أو يذهب به الذهن إلى أنني أنتقد هذا الحرص المحمود على النظافة، أنتقل به إلى خارج ذلك المحل التجاري الشهير، فعند مدخل المحل تنقلب الصورة 180 درجة، ومن أناس قد تكون عربات البضاعة التي يدفعونها أمامهم، تحمل جهاز استخدام المطهر أو المعقم دون لمسه، وهذه الصورة تتمثل في وقوف عامل وافد أمام مدخل المحل يعرض بضاعته من مكسرات وضعت في أكياس بلاستيك وبشكل مكشوف دون مراعاة لأدنى وسائل السلامة، أو اهتمام بالحفاظ على الصحة العامة، ورغم ذلك ترى العديد من المتسوقين رجالا ونساء وأطفالا يتوقفون أمام بائع المكسرات، ويشترون من هذه البضاعة المكشوفة، دون أن يسأل أحدهم نفسه عما تحمله هذه المكسرات من ملوثات ناتجة عما تقذفه عوادم السيارات التي تمر أمام بوابة المحل، أو تتوقف لوقت يطول أو يقصر بانتظار المتسوقين من سموم، ودون تفكير بما لحق بهذه المكسرات من تلوث ناتج عن الأتربة التي يمتلئ بها الجو، بل ولا يسأل من وقف ليشتري من هذه المكسرات عن مدى صلاحيتها، ولا عن طريقة تخزينها، ولا من أين اشتراها البائع، فكل هذه الأسئلة تغيب، وكأن من اشترى علبة المعقم قبل قليل شخصٌ آخر، غير من هو واقف الآن أمام بائع المكسرات.
هذه الازدواجية ما بين حرص شديد على الصحة، يتمثل في اقتناء أحدث الأجهزة والمنتجات، وتفريط شديد بهذه الصحة عبر شراء منتجات تباع في الشارع، سواء أمام المحال التجارية، أو على الطرق العامة، أو قرب أماكن التنزه، دون توافر أدنى وسائل السلامة فيها، أنموذج لازدواجيات أخرى نشهدها في حياتنا العامة، وهي واحدة من أسباب الإشكالية والمعاناة التي يعيشها المجتمع، وهذه الازدواجية لا تحتاج إلى تدليل، فيكفي الواحد منا أن يقارن بين مظهر بعض الناس، وأسلوب تعاملهم مع الغير، وأن يرى كيف ننفعل تجاه قضايا معينة، ثم نمارس في حياتنا اليومية، سواء داخل منازلنا أو خارجها ما هو أسوأ منها، وكيف أن الكثير منا يعارض ما يُطرح في الداخل، وإذا سافر مع أسرته إلى الخارج، رأيته إنسانا آخر يتعامل مع ما يستنكره في الداخل، بكل أريحية وانفتاح، وقس على هذا أموراً كثيرة.