محافظة المجمعة.. والمبادرة الإيجابية
كثيرٌ من الأزمات يمكن حلها عبر مبادرات إيجابية، تقدم الفعل على القول، وبدلا من أن نشبع الأزمة طرحاً وحوارا وتباكيا، بمبادرة واحدة نستطيع أن نقدم الحل الذي يغني عن كثير من الحديث.
محافظة المجمعة قدمت أنموذجاً لمثل هذه المبادرات، حيث قامت قبل فترة بإطلاق خدمة ''تاكسي البلدية'' الذي حددت له مسارات رئيسة داخل المدينة ونقاط وقوف، وحددت أوقات للوصول والمغادرة، كما تسعى المحافظة قريباً إلى إطلاق ''التاكسي النسائي'' الذي سيعمل وفق آلية الاتصال عبر الهاتف، وهي خدمة - كما جاء في الخبر المنشور في صحيفة ''الاقتصادية'' أمس - سيتم تشغيلها عبر مؤسسات النقليات، والهدف منها الاستغناء عن السائق الخاص، أو سيارات الأجرة المختلفة.
أزمة النقل في مدن المملكة صغيرها وكبيرها، أزمة كبيرة تعانيها مختلف شرائح المجتمع، وأنتجت وضعاً غير طبيعي، يكاد لا يوجد بهذا الحجم الكبير إلا في بلادنا، وهو استقدام سائق خاص يرابط أمام المنزل من أجل أن يوصل الأبناء إلى مدارسهم ويحضرهم منها، ومن أجل أن ينقل العائلة في مشاويرها الخاصة، هذا السائق أصبحت غرفته شرط أساس في بناء المنزل مهما صغر، وأصبح السائقون بسبب كثرتهم يشكلون طبقة من المجتمع، تراهم عند كل باب يرصدون - بسبب الفراغ - من يسير في الشارع، أو يتبادلون الأحاديث خيرها وشرها.
هذا الوضع أصبح يشكل ضغطاً كبيراً على دخل الأسرة، خاصة مع أزمات الاستقدام المتكررة، كما أصبح يشكل خللا في تركيبة المجتمع الذي اعتاد الهرب من حل قضاياه عبر الطريق الأسهل، وهو الاستقدام.
في مقال سابق حمل عنوان ''ملف الاستقدام.. هل من معالجة حقيقية؟'' قلت: إن أول الحلول التي يجب أن يؤخذ بها لمعالجة وضع الاستقدام الذي بات يشكل خطورة أمنية وأخلاقية على المجتمع، إضافة إلى ما يسببه من معاناة مالية ونفسية للمواطنين، هو إيجاد بدائل تعين المواطن الذي ليس في حاجة دائمة للعاملة المنزلية أو السائق، حيث توفر له خدمات تغنيه عن تحمل التكاليف الباهظة للاستقدام، وهذا يمكن تحقيقه عن طريق تطبيق فكرة مركز خدمة الحي، حيث تتوافر في هذا المركز روضة أطفال ومكتب يوفر سائقين يقدمون خدماتهم لسكان الحي، كما يمكن أن يلحق به مكتب للخدمات الطارئة، من سباكة وكهرباء ودهان، وهذا المركز في حال قيامه سيحقق فوائد عديدة، منها إيجاد بدائل غير الاستقدام لمن لا يحتاج إلى السائق إلا لتوصيل أبنائه إلى المدارس والعودة بهم، كما يمكن من خلال رياض الأطفال هذه مساعدة الأسر التي تضطر إلى الاستقدام ليس لحاجتها إلى العاملة المنزلية، وإنما لحاجتها إلى من يرعى أبناءها أثناء فترة العمل، أما من يريد عاملة أو سائقاً خاصاً به، فيتم ذلك عبر شركات توفر عمالة منزلية تكون على كفالتها بدلاً من كفالة الأفراد. ويمكن إجراء تعاقدات مع هذه الشركات لمدد قد تطول أو تقصر حسب حاجة العائلة للعاملة المنزلية أو للسائق.
وإذا كان هذا المقترح يمكن تطبيقه في المدن الكبرى، ويحل كثيراً من مشاكل الاستقدام، ويقضي على تجول العمالة السائبة داخل الأحياء، بل ويسهم في توطين بعض المهن، فإن ما قامت به محافظة المجمعة من مبادرة في هذا المجال، تستحق الإشادة والتطبيق في المدن الأخرى، وهي فعل إيجابي يساعد المواطن على تجاوز أزمة من أزماته.