من هو القيادي الفاشل؟
تتحدث الكثير من المقالات والكتب عن أهم الصفات الواجب توافرها في القيادي الناجح الذي يستطيع التأثير على من حوله وينقل مستويات الأداء والإنتاج الفعالية في فريقه أو مؤسسته إلى الأعلى دائماً. ولكن يقل الحديث عن النسخة العكسية لهذه الشخصية والتي للأسف تكثر في بعض المجتمعات والأماكن وتسيطر عليها فتسير بمستويات الأداء والإنتاج والفعالية إلى الهاوية.
القيادي الفاشل شخصية تعتقد أنها قيادية ولكن بعيدة جدا عن تأدية أدوار القيادة الحقيقة، وبعيدة أيضا عن الوصول لنتائج القيادة الناجحة. المصيبة أن القيادي الفاشل قد يعلم فشله القيادي ولكن لا يحاول التخلص منه، والمصيبة الأعظم أنه قد لا يعلم ولا يشعر بأي فشل وقصور، ويعتقد أن أموره على ما يرام، وهذا بالذات أكثر من يحتاج إلى التنبيه ولفت الانتباه.
أول وسائل وأدوات القيادي الفاشل هي الاستخدام المفرط للتهديد والعقاب. وهو يستخدمه للتخلص من سلوك سلبي معين ولكن العقاب في حد ذاته وسيلة معدومة التحفيز والتشجيع وتفتقر كثيرا للإيجابية الضرورية بين أعضاء الفريق. وقد أثبت التجربة والدراسات والبحوث أن التهديد والعقاب ليست وسيلة مثلى في فن القيادة الحديثة. ويدخل في هذا أيضا إستراتيجيات التخويف الأخرى التي تثير الرهبة والقلق وتتعارض أحياناً حتى مع مبادئ الإنسانية.
القيادي الفاشل إما أن يكون مراوغ أو أنه مباشر في التعامل إلى حد الجفاف المطلق الذي يسبب الحكة لكل من يتعامل معه. فهو لا يجيد التفاوض أو الإقناع ولا التهدئة ولا يتفهم لمشاعر الآخرين وأخر من سمع بالذكاء العاطفي. ونحن لا نلوم القيادي الفاشل في مجتمعنا بعدم ممارسته للذكاء العاطفي مثلا لأنه حتى في المجتمعات الغربية لم يتنبهوا إلى فشل النظرية الموضوعية المادية المبالغ فيها في بيئة العمل إلا في الثلاثين سنة الأخيرة حين عرفوا أهمية اعتبار عواطف الناس ومشاعرهم وتفاعل الفرد مع مجموعته من حوله وطرق التأثير والتحكم في ذلك. ولكن بالطبع نلومه إذا تجاهل الأدب واللطف وحسن المعاملة، أو أساء النية أو افتقر للمبدأ السليم والقيم الأخلاقية الإسلامية الراقية، على الأقل هو كشخصية فرصه جيدة للمثال و القدوة الحسنة.
القيادي الفاشل، يُحفَز بالمديح ويحفز غيره بالكذب. يفتقد إلى المصداقية بين موظفيه، ولا يسعده إلا الكلمات العذبة والترنيمات الجوفاء وهو بعيد كل البعد عن هدف مؤسسته الحقيقي ونتائج أفراد فريقه المتميزين ولا يفرق بين نجاح معنوي ونجاح مادي وإنما يعرف الصورة البراقة والهيئة الخلاقة التي يحب أن يُظهر الأمور بها حتى ينال رضا رؤسائه. لا يدور في خلده إلا التملق والكسب عن طريقه ولا يعرف أطرافاً أخرى غير رؤسائه فهو لا يستوعب حوله إلا نفسه، فتجده ينسى أو يتناسى حقوق صغار الموظفين والزملاء ومن يمتلكون حق الرفق والتوجيه والدعم والمصلحة.
متلعثم، متردد، لا يفهم إشارات الجسد ولا يطلقها بفعالية، لا يتمكن من الإنصات، ولا يجيد التحدث إلى الغير، كلامه غير مفهوم و لا يفهم كلام غيره، أو نستطيع القول أنه دائما لا يحسن التواصل و لا يجيد أي من مهارات الاتصال. هنا حتى لو أحسن النية أو أراد التغيير فلن يؤثر على الناس أو يحرك فيهم ساكنا، فهو قيادي فاشل لا محالة. وهذا أمر لا يعيه الكثير للأسف ويعتقدون أنه مناسب لفرق العلاقات العامة أو مؤسسات التسويق فقط، ولكن هذا خطأ كبير فمهارات التواصل ضرورة قصوى لكل من يتعامل مع الناس في أي موضعٍ يكون.
الحدس والرؤية والإدراك المستقبلي وحتى الخيال والتخيل، تتطاير وتهرب وتصبح من أساليب اللعب والتسلية (التي قد لا يرغب شخصياً في ممارستها) عند القيادي الفاشل. فهو لا يعرف طريقة ممارستها أو ربطها بإستراتيجية إدارته أو تخطيط أهدافه، لا يستطيع إطلاقها أو إيصال تأثيرها إلى مرؤوسيه. لا يستفيد منها ولا يوظف هذه القدرات البشرية في سياق قيادته ورسمه لخطة مؤسسته. أو قد يكون على العكس من ذلك تمام، حيث يمارس الحدس والخيال بمبالغة شديدة توصله لحد المزايدة والقمار بأموال و مشاعر غيره بلا تأني أو حذر.
و كما أن الفقرة الأخيرة تشير إلي أن القيادي الفاشل يفتقد إلى البصيرة وبعد النظر فهو كذلك يفتقد إلى مهارة النظر في أولويات عمله وتمييز أهدافه. تجده مبعثر الأهداف مشوش الأولويات لا يسير إلا خلف مايلح عليه، تظهر عجلته و تختفي ركادته ويتجاهل أمورا جوهرية هي أهم من الملحات بكثير. وقد يسوء الوضع وبشده حين يخلط في هذا الخلط مصالحه الشخصية و يبدأ في تقديم أهدافه الخاصة على أهداف المؤسسة أو المشروع وهنا نشهد ما يمكن تسميته بالفساد العظيم.
إضافة إلى ذلك، نجد دائما أن القيادي الفاشل يصنف المرؤوسين بطريقة تجعلهم في نوعين من المجموعات : مجموعة لا تؤدي ولكن تكافأ دائما بعد مدحهم تأيدهم المطلق للقيادي المزعوم، ومجموعة تؤدي ولكن تثبط أعمالهم ولا تكافأ جهودهم لصدقهم وإخلاصهم المستمر. هذا القيادي يستمر في شحن طاقاته السلبية عن طريق المجموعة الأولى إلى أن يؤدي عدم التوازن هنا إلى سقوطه أو سقوط مؤسسته أو – على الأقل – إلى ظلم كبير ومستمر.
في النهاية نجد أن المجال متسع جداً للفشل القيادي، وحيازة بعض الصفات كفيل بوضع القيادي في خانة الفاشلين الذي يصدرون السلبية والفشل إلى من حولهم. فيكفي حصوله على صفتين أو ثلاث فقط ولا يستدعي الأمر أن يكون القيادي متملقاً وكاذبا ضعيف التواصل وفقير المبادئ يخدم مصالحة ولا يرى أكثر من موطأ قدمه، ضعيف التحفيز قليل التشجيع، مثبط للهمم، فاقد للتأهيل ومرواغ، فليس من الضروري أن تجتمع فيه كل هذه الصفات حتى يصبح قيادي فاشل. ولا أنسى أن أشير أن ما ذكرت أعلاه يمثل بعض نماذج الفشل القيادي فقط، وإنما القائمة تطويل والصور تتغير والأشكال قد تتعدد بلا حدود.