رحم الله الخالة نورة الجعويني
كثير - ولله الحمد - من يعمل الخير في مجتمعنا، وكُثر من يهب حياته للعطاء ومساعدة الغير، ولكن أن تكرس أكثر من 70 عاماً لخدمة ومساعدة الفقراء والمعتازين وتسخر وقتك وبيتك للعيش معهم ومشاركتهم الحياة . تلك هي (أم الخير) أم الجميع نورة بنت صالح الجعويني، تلك السيدة السعودية ذات الأخلاق والعفة والكرم. ربما من يقرأ هذا المقال المتواضع يتخيل أنني أستخدم صيغا مبالغة، ولكن من يعرف الشخصية صاحبة المقال يعلم بأنني مقصر في الكلام كما في الأفعال.
عندما تدخل أحد بيوتها في الرياض أو جدة يأتيك شعور بأنك في إحدى الدور الاجتماعية التابعة لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية من كثرة الوجوه التي تقابلك من الجنسين ومن جميع الأعمار، لم يمنحها الله نعمة الأمومة الطبيعية، فهي الوحيدة بين إخوتها الأربعة التي لم تكن أما ً بالولادة ولكن كانت أماً لعائلات كُثر عاشت تحت كنفها في بيوتها وشاركتها أفراحها وأتراحها، ترعرع أبناؤها لأجيال مختلفة ولأكثر من ستة عقود تحت سقف بيتها، حيث ذكريات أجيال مختلفة من البشر.
نورة كانت كريمة لدرجة أنك وفي حضرتها لا تتوقع أن تجد من يجاريها في العطاء والكرم، فكانت جامعةً للأقارب والأحباب لم ترها تغضب إلا إذا أحست ببعد أحد الأقارب أو أحست بظلم فقير أو ضعيف.
حتى الطيور كانت لا تنام حتى تطعمها وكانت لا تنام كل ليلة حتى تطمئن بأن الجميع شبعان، ليس فقط في الأكل، بل في الحنان والمحبة.
إنني مؤمنٌ بقدر الله والحمد لله على كل شيء، ولكن الفراق أليمٌ ياخالتي نورة يا أم الخير.
عندما كانت على فراش المرض الذي كان ينهش في جسدها الطاهر كانت تقول بكل عفوية: لم أعلم بأنكم تحبونني لهذه الدرجة وكانت حريصةً كل الحرص على عدم تحميل الجميع أي عبء. أقول لقد كنتِ بسيطةً في طبعك وبسيطةً عند مرضك وكنت أبسط عند وفاتك - رحمك الله.
في ذلك الخميس انطفأت أنوار كثيرة وكأن الصبح انقلب إلى ليل، تمنيت لو أن القدر أمهلنا قليلاً لتكون معنا، تمنيت أن أقول لها: أحبك أكثر من الدنيا، تمنيت ألا يأتي ذلك الخميس ولكن صدق الله العظيم : "يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي" صدق الله العظيم.
لقد زلزلنا خبر رحيل الخالة الغالية نورة أم الخير . ماذا لو رأيت مقدار الحزن في داخلنا وداخل كل من يعرفها أو تعامل معها في يوم من الأيام!
لقد هبت مجاميع الناس من جميع مناطق المملكة (الرياض، جدة، القصيم،الشرقية، الخبر،المدينة،وينبع) ذلكم الجمع هم أحباب نورة من جميع طبقات المجتمع من صاحبات السمو الأميرات إلى سيدات المجتمع إلى أحباب نورة القدماء والمعتازين. الجميع كان في عزاء نورة وكأنها تجمعهم للمرة الأخيرة، ولكن هذه المرة تجمعهم ليس لغرض مناسبة اجتماعية أو دينية أو فض خصومة أو عمل خير. إنها تجمعهم وهي بين يدي الواحد القهار للوداع الأخير - رحمها الله.
نورة كانت نقطة التجمع لأسرتنا، كان مجلسها مجلس الأمان نلجأ إليه عند طلب النصيحة والمشورة، تفض الخصام والمكان الأصلح للمصالحة والخير.
لتمر الأيام والسنون وليرحمك الله يانورة ولن ننساك بالدعاء والأعمال الصالحة.