الفرح بالعطاء وروح الأخوة
خبر تناقلته وسائل الإعلام مفاده: تعهد 17 مليارديرا أمريكيا من بينهم مؤسس موقع فيسبوك مارك زوكربرج، بالتبرع بنصف ثرواتهم على الأقل، في إطار حملة خيرية قادها اثنان من أكبر أثرياء العالم.وحتى الآن انضم 57 مليارديرا إلى حملة التعهد بالعطاء التي أطلقها بيل جيتس، مؤسس شركة مايكروسوفت، ووارن بافيت رجل الأعمال الشهير في حزيران (يونيو) الماضي.
كان هذا لدى أثرياء الغرب دون دافع ديني أو سلطة قانونية. ترى ما يدفعهم لذلك؟ إنه الشعور بالأخوة البشرية، التي من مستلزماتها عطف الغني على الفقير وإشراكه في جزء من ماله.
لكن عندنا، من يفكر بالتبرع بنصف ماله من الأغنياء؟ بل من يتبرع بعُشر ماله؟ بل من منا من يقدم عطاء لأخيه الإنسان؟ مهما كان هذا العطاء. وهل ستكون أنفسنا رضية إن قدمنا عطاء ولو كان ضئيلا؟ أسئلة أعتقد أن واقعنا المحزن يجيب عنها بالنفي. أخص بالذكر أصحاب الأموال. هل يشعرون بالمسؤولية من وجود أفراد تعساء في مجتمعهم بسبب ضيق الحاجة؟ قد يشعر الأغنياء عندنا أنهم تعبوا ليجمعوا المال، وهذا من حقهم، لكن من دواعي الأخوة البشرية ألا تنعم برفه الدنيا وحولك من لا يجد أساسيات الحياة. هذا، لدعوى الأخوة البشرية، فما بالنا وديننا يأمرنا بالعطاء. والله ـــ سبحانه وتعالى ـــ يقول: ''ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون''. فيا ليتنا نقدم ما نفرح بتقديمه إلى المحتاجين دون ضجر أو شح. فما دفع الأغنياء الذين ذكرتهم أعلاه وهم غير مسلمين، إلا فرحهم بعطائهم للجمعيات الخيرية وما شابهها. قد لا يكون التبرع بإعطاء المال للفقراء مباشرة. ولكن يكون في إيجاد العمل لهم، وترقية المعيشة الاجتماعية في منازلهم والعناية بحالتهم الصحية. تخيلوا معي لو أن كل صاحب مال أنشأ جمعية خيرية خاصة به وغير ربحية هدفها تدريب وإعالة أبناء الفقراء كي لا يكونوا مثل آبائهم. أو أن كل مقتدر قام بإنشاء مستشفى خيري غير ربحي لا يتعالج فيه إلا الفقراء. وسبل العطاء كثيرة جدا. منها أيضا: إعانة جمعيات التأليف وإعانة الشباب وبناء أماكن للصبية في الأحياء وإيصال الكهرباء إلى القرى التي لم تصلها. كلها سبل للعطاء والأجر وتنمية المجتمع.
إذا نمت روح الأخوة بين أفراد المجتمع غنيهم وفقيرهم، قويهم وضعيفهم، لرأينا البؤس يتضاءل إلى حد كبير، ويحل محله كثير من الرخاء، ولرأينا نهضة متوازنة في مجتمعنا وتطورا أكبر وترابطا أعمق بين أفراده. فهل سيتبرع أغنياؤنا مثلما ذكرت في أول المقال؟
جدة