إهمال الأسرة وضياع الأبناء
في عصر اختلطت فيه الثقافات واندمجت فيه المصالح وأصبح العالم قرية، كثيرا ما تسمع المجالس والناس تتكلم وتسأل وتجيب ظاهرة في ضياع الأبناء من الجنسين والتغيرات الثقافية التي يمر بها الشباب وتطرح التساؤلات التالية: من ضيع الأبناء؟ الأب أم الأم، المدرسة أم الشارع؟ التلفاز أم الجوال؟ المجتمع أم الدولة؟ النعمة والرفاهية أم الخادمة والسائق؟، وتعودنا دوما الهروب من المسؤولية والضحك على أنفسنا وتعليق مشاكلنا التي نحن سبب فيها على المدرسة والشارع أحيانا، أو على المجتمع والطوفان الإعلامي والدولة أحياناً أخرى وننسى أننا كأسرة وحدة المجتمع والدولة.
وفي نظري أن البيت هو المحضن والمنشأ الأساسي لبناء أول لبنة يثبت عليها بناء الأخلاق والأصول والتربية الصالحة. وأعتقد أن أساس كل شيء هو الأم والأب، فإذا كانت التربية صالحة ومستندة إلى الأسس الشرعية والصحيحة فلا يمكن لهذا البناء أن يهدم ولو هزته ريح التغييرات من حين إلى آخر. وبعدها يأتي دور المدرسة والمجتمع، لكن ما نراه حقيقة في وضع الأسرة فإننا نشاهد أسرا متفككة غير مترابطة فيها كل شخص مشغول عن الآخر، فمثلاُ الزوج الذي هو رب الأسرة ويكون من المفترض المسؤول مسؤولية كاملة عن هذه الأسرة، نجده بعيداً جداً عن أبسط حق من حقوق أسرته المسكينة فهو مشغول عنهم بأشياء تافهة ولا يجلس مع أبنائه ولا يتكلم مع زوجته وأبنائه، وظن خطأ أن دوره كأب هو جلب الطعام والشراب واللباس والمأوى في شكل مشروع تسمين لمخلوقات بشرية. والأم تكمل ذلك الدور بصنع الطعام وغسل الملابس وتقضي معظم الوقت في التفكير في نفسها وزياراتها ومجاراة بني جلدتها في الموضات والتسوق والجري وراء الشكليات وترك الأبناء في صغرهم للخادمة والسائق.
ولانشغال الأب بتوفير متطلبات الحياة ضريبة يدفع ثمنها الأبناء.. فكما نعلم أنه لمشاغل الحياة قد لا يجد الوقت ليسأل عن دراستهم أو أن يواجه مشاكلهم أو يتلمس احتياجاتهم، فليست حاجة الابن والبنت في المأكل والمشرب والملبس فقط ولكن هناك عادات وتقاليد وقيم ورثها الأب والأم عن أهليهم ويود الابن والبنت لو يسمعونها من الأبوين في جلسة حوار ونقاش وسمر ومتعة عائلية، بل إن الفتاة لها متطلباتها التي تستحي البنت في مجتمعنا أن تتكلم بها مع أمها في بعض الأحيان. تحتاج الفتاة لمن يتحسس مشاكلها والتي في كثير من الأحيان لا يستطيع فهمها إلا والدتها.. فكما نعلم بأنه يصعب على الأب تلمس حاجات الفتاة عكس حاجات الشاب.. تحتاج الفتاة لمن يراعي خاطرها، فجميعنا نعرف أن الفتاة دائماً ما تكون كالوردة في حال لمستها اليد يتغير لونها وتصبح وردةً ذابلة.. تذبل في حال لم تجد من يدلها على الطريق الصحيح ويرسم لها طريقاً تتخذه نبراساً في حياتها. وهذا بكل تأكيد دور الأم.
ليسأل الواحد منا أباً أو أماً وبكل تجرد وعدم تهرب من الحقيقة، بل بكل شجاعة وتحمل للمسؤولية والمحاسبة الذاتية، كم مرة فكرنا في أبنائنا من حيث حصيلتهم ومحتواهم من الأخلاق والمبادئ والأدب؟ كم مرة جلسنا الزوجين وناقشنا برامج وخططا لتربية الأبناء ومراجعتها بعد كل حين؟ وكم مرة في الأسبوع زرنا مدارس أبنائنا والحديث مع المدرسة حول أخلاقياتهم وسلوكهم وتحصيلهم الدراسي؟ نسمع عن حالات بعض الآباء والأمهات لا يعرفون السنة الدراسية للابن أو البنت.
ليت كل أبوين يحددان ساعتين كل ليلة للجلوس مع الأبناء على براد شاي وإغلاق التلفاز والجوالات وإدارة الحديث حول مسائل عدة من هنا وهناك، وإعطاء المجال للأبناء لبث همومهم وما يحملونه من قضايا يحتاجون فيها للتوجيه والمعالجة، دون إشعارهم بالتخويف أو التردد فيما يريدون بثه من شجونهم، ليكن هذا المجلس مجال تنفيس للهموم والمسائل العامة وحتى الخاصة، ستجد أن الأبناء يتمنون دوما أن من حواليهم يسمعونهم ويشاركونهم العيش في الجو نفسه والاهتمامات، وإلا سيبحثون عمن يسمع لهم من الأصحاب أو الشارع. وهنا تكمن الكارثة عندما يتبنى الابن أو البنت مرشداً وناصحاً وقائداً من خارج إطار العائلة، وعليك أن تتصور إذا وقعوا في يد غير آمنة فهنا بداية النهاية لهم - لا سمح الله.
من خلال هذه الجلسات يتعرف الأبوان على نقاط القوة والضعف لدى أبنائهم، ومن ثم يعقدان جلسة خاصة لتحليل تلك المعطيات ويضعان الحلول اللازمة دون شعور الأبناء ومعرفتهم، فيقومان بترسيخ نقاط القوة وتشجيعهم على الاستمرار في ذلك، ويضعان أساليب مساندة للفرص الممكنة لدى البناء ويتواصلان مع المدرسة بطريقة مشجعة وإيجابية، ويخلقون جواً أسرياً مكشوفا فيه شفافية حتى الأب والأم يعرضان عليهم ما يلاقيان من صعوبات وتحديات وطلب مرئياتهم للمشاركة في المساعدة لأن هؤلاء الأبناء هم آباء وأمهات المستقبل وليتمكن الأبناء من التصور المسبق عن حياتهم المستقبلية، وبهذا نخلق فن الحوار والنقاش والاستماع والمشاركة وروح العمل الجماعي والتعاون بين أفراد الأسرة الواحدة مما سيعكس آثارا إيجابية بين تعاون أفراد المجتمع فيما بعد.
أيها الآباء والأمهات، جربوها وضعوا لها محفزات في البداية لترسيخ الفكرة ولا تتركوها أبداً، ستجدونها ممتعة والكل من أفراد الأسرة يتشوق إليها. وانظرا إلى آثارها ليس فقط على الأبناء بل عليكما أنتما، ستجدون هذه الوسيلة أفضل للوصول إلى ما تريدونه من السؤال المباشر ومعرفة أشياء كثيرة عن أبنائكم لم تكن في الحسبان عن الدراسة والمدرسة وعن السلوكيات، لأن الأبناء لن يعطوكم الصورة كاملة إلا بهذه الطريقة العفوية وغير الرسمية بالسؤال والجواب، وتخلقون أسرة متماسكة ومتفاهمة ومتعاونة على الخير والبناء، حفظ الله سفينتكم الأسرية من كل شر، وأدام على الجميع نعمة الألفة والمحبة والوئام، وعلى الله قصد السبيل.
عضو لجنة المقاولين ـ الغرفة التجارية الصناعية في الرياض