تجربة لعلنا نستفيد

في ثالث أيام عيد الفطر المبارك غادرت مع أبنائي لخارج المملكة وكان حال المطار يرثى له ابتداءً من عمل منفذ واحد لدخول السيارات في موسم ذروة فيه وقف ابني قبل الرحلة بساعتين دون أن يعرف أين الدرجة الأولى من الأعمال والسياحية، فالكل اندمج في فوضى من جميع الركاب وجنسياتهم المختلفة، أيدٍ ممدودة وصراع وتدافع شرس وطوابير الجوازات أيضا لا تفرق بين الدبلوماسي أو الأولى أو الأعمال عن أي درجة أخرى ويتداخل المواطن مع الخليجي مع العربي والأجنبي، أما عن مستوى قاعة الانتظار ودورات المياه والنظافة وخدمات العصائر فحدث ولا حرج، ولقد تطوعت للتنظيم وجعلت نفسي آخر راكب يحصل على بطاقة الصعود للطائرة حتى بعد حصول عائلتي على بطاقاتهم ذهبوا وحدهم لصالة السفر وانتظرت بناءً على طلب المسافرين، ولقد كانت أهم ملاحظات الجميع بأن تنظيم تلك الفوضى من مسؤولية هيئة الطيران أو الأمن، إضافة إلى الحس الأخلاقي للمسافرين.
لقد لاحظت أن الطائرة الإماراتية كانت العملاقة إيرباص الجديدة التي تعني مضاعفة حجم المسافرين على جميع الدرجات؛ ولذلك كانت أكبر من حجم الموظفين والكاونترات ومساحة الوقوف أمامها وكذلك الموظفون، وتأخرت الرحلة بسبب هذا الضغط.
والفرق كان بطبيعة الحال عند الوصول لدبي لجميع ركاب الترانزيت كل رحلة معها موظف يرشدك إلى الرحلة وإخطار عند البوابة مع سيارة لكبار السن والراغبين للحاق بالرحلات التي قرب موعد إقلاعها، لقد قصدت ألا أتحدث عن الطائرة عمدا؛ حتى لا نتوقف عن الطيران على خطوطنا الوطنية.
ثم المفاجأة الكبرى عند وصولنا إلى محطتنا النهائية في دولة المالديف أن الحقائب وصلت معنا، على الرغم من أن المدة بين الوصول إلى دبي والمغادرة منها لم تتجاوز 35 دقيقة.
ومرة أخرى لم أتحدث عن الطائرة البوينج إلى المالديف احتراما لمشاعر كل مسافر على خطوطنا الوطنية. المالديف مطار دولي أشبه بمطار أبها أو المدينة قديما قبل التوسعة، مدرج واحد ذهاب وإياب، لكنه يستقبل سنويا ما بين (مليون و1.2 سائح سنويا) يشغلون 75 - 85 في المائة من سكان دولة المالديف البالغ عددهم 300 ألف نسمة، ثم 15 في المائة في صيد الأسماك كثاني رافد للاقتصاد بعد السياحة والباقي في الصناعة والخدمات.
وهذا يجعلني أسأل لماذا لا تستقبل مطارات المدينة والطائف رحلات دولية وعمرة إضافية ليصل عدد الزوار من المعتمرين إلى مليون معتمر شهريا ويصلون على ثلاث محطات رئيسة؟ عوضا عن جدة فقط! لماذا لا تستقبل أبها والطائف والباحة مزيدا من الرحلات في العطلات الأسبوعية والموسمية وخلال الصيف؟ لماذا لا تستغل جزر جازان ونجران في صناعة السياحة وصيد الأسماك لدعم الاقتصاد الوطني وتوظيف أبناء الوطن؟
لم تتجاوز إجراءات السفر في الوصول والمغادرة من المالديف أكثر من 15 دقيقة بهدوء وبطابور منظم ونظافة عالية ومساعدة في حمل الحقائب مجانية وراقية والموظفين بملابس نظيفة ومحترمة وممنوع طلب البقشيش أو الإكرامية، بل ابتسام واحترام.
ضمن برنامج زيارة المالديف توقفت أمام ضريح أبو بكر البربري المغربي الذي وصل المالديف قبل 500 عام وأدخل الإسلام إليها وأصبحت الدولة 100 في المائة من المسلمين الآن ليكون درسا في كيفية وصول الإسلام لآسيا وشرقها.
وفي زيارة سياحة أخرى لسكان أهالي الجزيرة الأصليين التي يقع فيها الفندق الذي أقمت فيه تبين أن تسونامى قد ضرب تلك الجزيرة ضمن ما تم ضربه لكامل المحيط الهندي، وأن هناك عائلات استشهدت بكاملها وأخرى فقدت، ولكن ما لفت نظري أنه من قام بإعادة بناء وترميم القرية هو الصليب الأحمر.
كما لاحظت أن القرية التي تعيش على الجزيرة لها محطة كهرباء ولديها محطة تحلية والمفاجأة الكبرى بنية متكاملة لتصريف مياه الأمطار والصرف الصحي فلم توجد قطرة مياه على أرض القرية، على الرغم من هطول الأمطار بشكل كثيف طوال ثلاثة أيام قبل زيارتي للقرية وبشكل متواصل.
ولا داعي لمزيد من الشرح عن المقارنة بما لدينا من كهرباء وتحلية مياه وشبكة تصريف مياه الأمطار والسيول والصرف الصحي.
وقبل المغادرة زرت سوق السمك فلم أجد رائحة كريهة ولا قذارة ولا أشياء أخرى عندما قارنت ما شاهدت ببنقلة جدة أو سوق السمك في جدة ومطاعمه ومحاله.
لقد كتبت المقال وأنا في فندق أتلانتس في دبي ولن أتحدث عنها فهذا مصدر قلق وإزعاج للكثيرين، لكنني أذكر بأنني وصلت وغادرت من المطار الجديد المعلوم التكلفة وتأملت ماذا سنفعل في مطار جدة الجديد وأقول ربما نبني المطار نفسه، وقد يكون أحدث وبالتكلفة نفسها وربما أعلى، ولكن التحدي هو في التشغيل الذي يعتمد على الإنسان والقوانين؛ لأنه على الرغم من الفارق الكبير الهائل جدا لدرجة لا يجوز فيها المقارنة بين مطار المالديف ومطار دبي، إلا أن المشهد الحقيقي للخدمة واحد مواقف منظمة وخط سير واضح للمركبات بهدوء واحترام ودخول منظم ودقيق للمطار وإنجاز راقٍ ومحترم لخدمات الطيران، ثم إنجاز سريع ومنظم ووقور مع ابتسامة وترحاب من الجوازات في مكان هادئ ونظيف والكل يخدمك ويبتسم لك دون تدخين ولا تدافع ولا طوابير، ثم في خروج هادئ ومحترم ومنظم خارج المطار إلى مكان الإقامة في سيارات نظيفة من الداخل والخارج وفق أسعار معلومة.
هكذا استعدوا لضيوفهم فماذا نحن فاعلون مع ضيوفنا ومنهم ضيوف الرحمن وزوار مكة المكرمة والمدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة وأتم التسليم.
هذه تجربة ورسالة لعلها تصل إلى من يعنيه الأمر قد نستفيد للتعلم من الآخرين، فالموضوع ليس في القدرة والملاءة المالية، بل القوانين والتشريعات واللوائح والتخطيط والتنظيم والتنفيذ والإدارة استنادا إلى القدرة الإنسانية والبشرية بعد تأهيلها وتدريبها لاحترام القوانين واللوائح والنظم.. والله ولي التوفيق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي