يا أبتي: أين أخي؟

كان أبو عصام سعيداً ومبتهجاً بتشرفه بحضور حفل تخريج أبنائه الطلبة في كلية الطب... رجع إلى البيت بعد يوم طويل، ولكن لم يجد عصاماً.. لم يكن معتاداً أن يتأخر!، وجد أمه في حيرة من أمرها، فقد أوجست خيفة في نفسها، جوال الابن مغلق.. كل العائلة في توجس وخيفة، لا أحد يعلم أين عصام، حتى الساعة الثانية عشرة، كلم شخص من المرور الأب يطلب منه أن يأتي إلى المرور لحصول حادث على ابنه.. ذهب الأب ليستفسر عن وضع ابنه، ولكن بعد أكثر من ساعتين من انتظار سعادة الضابط المناوب!؟ عرف أن ابنه قد لقي حتفه في الحادث، فكانت صدمة كبيرة.. لا يدري الأب من قوة الصدمة كيف يتصرف، ولكن وجد أحد أصدقاء العمر ورفيق دربه في المهنة الأستاذ الدكتور أبا جواد (د. فهد الزامل) قد فزع من نومه وجاءه فوراً إلى إدارة المرور.
ذهبا لمعاينة الابن وهو في الثلاجة، ولكن المهمة الكبرى للأب: كيف يوصل الخبر إلى أمه التي لم تنم الليل.. جاء الأب في الصباح الباكر هو وأخو الزوجة فقالت لهما: ما هي أخبار ابني؟ طمأناها بأنه في العناية المركزة، وقالت: هل يذهب إخوته إلى المدارس؟ كان يوماً غريباً على العائلة التي كانت ترى عصاماً يستيقظ لصلاة الفجر، وقد يصادف إخوانه في الصباح!! كانت صدمة على الجميع، لم ير الأطفال أخاهم في فراشه!! ذهبوا إلى مدارسهم، وذهب الأب ليكمل الأوراق الرسمية الخاصة بابنه، وقد استطاع أخو الزوجة أن يخبر أخته بقضاء الله وقدره... فأصرت تلك الأم الحنون على أن ترى ابنها قبل دفنه، وكانت لحظات صعبة، فهي لحظات وداع من تلك الدنيا.. ولكن هنالك وعد من الحي الذي لا يموت أن لها قصراً في الجنة.. نعم بكت وسقطت الدموع من عينيها.. وكيف لا تسقط، فقد سبقها المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم، ولكن حمدت الله، فقد وعدها الصادق المصدوق بأن لها ولزوجها قصراً في الجنة، لأنهما حمدا الله ورضيا بقضائه وقدره.
وجاءت وفود المعزين إلى بيت أبي عصام وكلهم قد تأثروا ولكن وجدوا الدكتور صابراً ومحتسباً، وهذا من فضل الله الذي قال في محكم كتابه الكريم (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين، الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنّا لله وإنّا إليه راجعون)، ولكن كيف يجيب الأب أبناءه الصغار الذين شاهدوا المعزين من رجال ونساء!! وشاهدوا كل معارفهم، ولكن لم يروا عصاماً منذ يومين!! يسألون أين هو؟ ولا أحد يعطيهم الجواب الشافي.
لا أدري لماذا هذه المعركة مستمرة في حصد الشباب ولم تتوقف؟ كل شيء تطور في هذا البلد إلا إدارة المرور!؟ فبعض سائقي الشاحنات يجول الشوارع دون رخصة عامة، والأهم من ذلك فوضى القيادة، ومما يزيد الطين بلة أن لديهم بورصة تأمين تشجعهم على التجاوز، ولكن على حساب أرواح المواطنين وممتلكاتهم.
نصيحة خاصة للشباب: على الرغم من المقدرة الجيدة لدى شبابنا في قيادة السيارات، إلا أنهم قد يكونون (من حيث لا يعلمون) ضحية تلك الفوضى وعدم الاهتمام، ونصيحتي لهم أن يتذكروا دائماً أنهم في قلوب آبائهم وأمهاتهم، كما لا يتحمل إخوتهم فراقهم، فالقيادة بحذر وتجنب السرعة من الأمور المهمة في قيادة المركبة، فتذكر يا بني، أيها الشاب، أنه في هذا البلد ونتيجة للشلل شبه التام في جهاز المرور، فإن منطق الأفضلية غير معترف به، فعلى سبيل المثال لا الحصر: لدينا الذي يأتي من الشارع الفرعي هو صاحب الحق وعلى القادم من الشارع الرئيسي أن يحترمه ويفسح المجال له، لأنه مواطن أو مقيم تربى على الجهل وعدم احترام الأنظمة، كما عليك أن تتذكر دائماً أن أفضلية المرور في هذا البلد للقادمين من جهة اليمين وليس اليسار، كما لا تنسى أن الجانب الأيمن من الطريق وكذلك طريق الخدمة في الطرق السريعة مخصصة لتجاوز السيارة التي أمامك، لذا وحتى تسلم من الحوادث عليك بالتقيد بتلك الأنظمة المقلوبة لأنها واقع حركة المرور.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي