الأمانة: قصة حقيقية!!
شاب في مقتبل العمر، والده كان يريده أن يتزوج قبل وفاته.. لا الأب ولا الشاب يملكان شيئا من تكاليف الزواج، فقد كان كل ما يملكه الشاب لا يتجاوز عشرة آلاف ريال، أما الأب فرصيده حسن الخلق وخوف الله. سأل الشاب المساعدة من إخوته، فوجد أن أوضاع إخوته المتزوجين لا تساعدهم على تغطية مصاريف بيوتهم. قرر الشاب عملا بنصيحة أحد زملائه، أن يشد الرحال إلى رجل لا يتردد في مساعدة الضعيف. بالفعل ركب سيارته التي اشتراها بالأقساط، بعد أن أبلغ والده بنيته تلك.
سار وخلال رحلته شاهد تجمعا في الطريق الصحراوي لأشخاص حول حادث انقلاب سيارة... ففزع وشمر عن ساعديه لإنقاذ المنكوبين. كانت الإصابات غير خطيرة، وتم نقل أصحاب السيارة التي تعرضت للحادث إلى المستشفى، وكانوا من مواطني إحدى الدول الخليجية. كان الشاب خلال تفقده لأوضاع المصابين في مكان الحادث قد وجد حقيبة صغيرة، فأخذها ووضعها في سيارته ليعيدها لأصحابها فيما بعد. نسي الحقيبة في المقعد الخلفي للسيارة، وحين فتحها بعد أن وصل المدينة، حيث الرجل الذي كان قد سافر ليقابله، وجد فيها مبلغا من المال يقدر بأكثر من مليون ريال.
أغرى المبلغ الشاب، وصار الشيطان يسوّل له أن يستولي عليه، وصارت نفسه تحدثه: لقد رزقك الله خيرا، ولا أحد يعلم عنه، والناس الذين يحملون مبلغا كبيرا كهذا لديهم خير كثير وليسوا في حاجة إليه. كان في حيرة شديدة من أمره، ففكر أن يعود إلى أهله ومعه المال، ثم ألح عليه ضميره أن يُرجع تلك الأموال إلى أهلها. كان الوقت قريبا من منتصف الليل، فقرر المبيت في إحدى الشقق المفروشة، ويقرر ماذا يفعل، لكنه لم ينم من القلق وظل يتقلب في فراشه حتى أذّن الفجر.
انتظر حتى ظهر الصباح فقام وأخذ ينظر إلى الأموال التي لم يكن يحلم بها، والشيطان يقدم له النصائح، لكنه في الأخير قرر أن يذهب إلى أصحاب السيارة في المستشفى، وسألهم عن أحوالهم فقالوا نحن بخير ولكن لدينا حاجات ثمينة كانت في السيارة، فقال لهم دعونا نذهب إلى مركز الشرطة ونسألهم عن المضبوطات التي عثروا عليها بعد الحادث. في مركز الشرطة كانت الأغراض التي أخذتها الشرطة للمركز موجودة، لكن ليس من بينها النقود. أخبرهم بأن المال عنده وقد حفظه لهم، فذهب بهم إلى الشقة وأخرج لهم الحقيبة، وأبلغهم بما حصل له ونفسه الأمّارة بالسوء، فسعدوا بتصرفه وأمانته، وسألوه عن قصته، فقص لهم قصة مشروع زواجه وسبب مروره في هذا الطريق، فتعاطفوا معه وقرروا التكفل بمصاريف الزواج، ولكنه طلب منهم أن يرجعهم إلى دولتهم بسيارته فوافقوا على ذلك.
كان أولئك الأخوة الخليجيون من ميسوري الحال فعملوا له دعوة خاصة على شرفه دعوا إليها زملاءهم وذكروا قصتهم مع الشاب وأثنوا على أمانته، ووعدوه أن يحضروا زواجه في الرياض، وتم الزواج فعلا وكانوا أول الحضور وأهدوه سيارة خاصة بتلك المناسبة.
من العبر في قصة ذلك الشاب، الفوائد غير الظاهرة في بركة طاعة الوالدين وتنفيذ أوامرهم، وبركة الأمانة واجتناب المال الحرام بكافة أنواعه. أيضا أهمية وجود نظام لدى الشرطة في الطرق الطويلة، يحفظ ممتلكات الناس بعد حصول الحوادث. فقد كتب الكثير من الكُتاب الأجانب والعرب عن أخلاق اليابانيين في الأزمات الوطنية، وكيف أنه لا يحصل نهب أو سرقة، فنحن أحق بتلك السمعة من اليابانيين، لِمَ لا ونحن نقرأ قوله تعالى: (وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ). أي يحمل ما سرق ونهب بيده إن كان صغيرا أو على ظهره إن كان كبيرا.