مستقبل التعليم في المملكة
التربية والتعليم، هو موضوع الساعة، بوصفه نبض هذا العصر وشغله الشاغل. ولا غرابة في ذلك؛ فالتعليم هو الوسيلة المثلى للحفاظ على اقتصاد قوي وتنمية مستدامة، وأيضا الوسيلة المهمة؛ لبناء مجتمع قوي، مترابط، وكذلك الوسيلة للارتفاع بإنتاجية المواطن وتنمية قدراته التنافسية في ظل عصر المعلومات المتسارعة؛ وتزايد التنافس الاقتصادي العالمي والمتغيرات الكثيرة المرتبطة بظروف العولمة.
وتواجه السعودية، تحديات كبيرة من أجل الصمود في وجه المنافسة العالمية ولتحقيق التقدم والرفاهية من أجل ذلك بدأ خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز مشواره في مسيرة إصلاح التعليم بتخصيص مليارات الدولارات، من خلال مشروعه النهضوي لتطوير التعليم، باعتباره حجر الزاوية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وقد عقدت وزارة التربية والتعليم في سعيها نحو تطوير التعليم بجميع مراحله العديد من المؤتمرات، شارك فيها عدد من الشخصيات العامة ورجال الأعمال وأساتذة الجامعات وعمداء أساتذة كليات التربية وقيادات من وزارة التربية والتعليم، وغيرهم ممن لهم صلة وثقة بالعملية التعليمية كأولياء الأمور وأصحاب المدارس. وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على أن هذه اللقاءات التمهيدية قد عكست حرص الوزارة علي طرح قضية تطوير التعليم الثانوي للحوار القومي علي مختلفة الصعد والمستويات للوصول إلى اتفاق عام فيما يختص بملامح التطوير المطلوب، فضلا عن عدد من المبادرات الجديدة، التي تنقل تعليمنا عددا من النقلات النوعية في العملية التعليمية، سواء فيما كان متصلا منها بالتعليم بشكل مباشر كالمشروع الشامل لتطوير المناهج أم مشروع العلوم والرياضيات، وهي مشروعات، يعوّل عليها مسؤولو الوزارة كثيرا، سواء من خلال ما يتصل بتطوير أنظمة العمل كبرنامج فارس وتوحيد إجراءات العمل الإداري في جميع مناطق المملكة ومحافظاتها، أم ما كان منها استراتيجيا كمشروع الملك عبد الله بن عبد العزيز لتطوير التعليم العام (تطوير) الذي يقدِّم لنا خلاصات عن أهم المنجزات التي تحققت حتى الآن؛ أم من خلال مبادرة تقويم التعليم العام وتنظيم التعليم الأهلي؛ أم من خلال مبادرة تعزيز مشاركة القطاع الخاص في التعليم العام؛ أم فيما يخص المعلمين والمعلمات ومَنْ في حكمهم من تطوير ورفع مستوى الأداء وجودته؛ أم مبادرة التوسع في رياض الأطفال؛ أم مبادرة المدارس الصغيرة.
ولعل من دواعي تطوير التعليم المُلحة، كثيرة ومتعددة، بداية من أهمية التعليم العام لظروف النشأة والتكوين، وخطورتها لارتباطها بمرحلة المراهقة، وتشكيل مستقبل الطلبة والطالبات، فضلا عن الضرورة الماسّة؛ لصياغة مناهج جديدة صياغة جيدة ومتطورة تواكب المستوى العالمي، وتوفير قدر مشترك من المعارف والمهارات لجميع طلاب التعليم العام، وطالباتها، يتيح إعدادهم إعدادا جيدا لمواجهة تحديات العولمة والمنافسة العالمية.
يضاف إلى ذلك، في هذا الشأن، أنه يجب الاهتمام بالتخصصات والمهارات المطلوبة لسوق العمل، مع ضرورة صياغة المواد بطريقة حديثة، مشوّقة، وجذابة لتعالج قضايا المجتمع الحالية؛ وتسهم في إيجاد مخرجات تربوية وتعليمية واعية بمشكلات مجتمعها، قادرة على الإسهام في حلها، ليصبح التعليم العام للجميع، حيث ننتقل من خلاله من التعليم إلى التعَلُّم والتركيز على اكتساب المهارات والخبرات عوضا عن المعلومات الثابتة؛ وعلى كيفية التعامل مع الوقت ومع المعارف والمعلومات؛ وكيفية الحصول عليها وتنظيمها..، كما يجب مراعاة الاهتمام بتنمية القدرة على التعامل مع التقنيات المتقدمة؛ وتشجيع العمل مع الآخر بروح الفريق؛ وإعادة النظر في دور المدرسة كمؤسسة تعليمية؛ لمساعدتها في القيام بدورها التربوي المهم والمأمول..، وضرورة ربطها بالمجتمع المحلي من خلال العمل على تحويلها إلى وحدة منتجة ترتبط بمواقع الإنتاج بهدف تنمية مهارات الطلاب.
يجب بموازاة ذلك أن يكون الشغل الشاغل لوزارة التربية والتعليم كذلك، الأطفال الموهوبين وتنمية ما لديهم من مهارات في مختلف المجالات والأنشطة، وهذا يقودنا إلى ضرورة تبني مبادرة تعليمية توعوية مجتمعية، تعيد جسور الثقة والمحبة بين الآباء والأبناء بعد أن ظلوا لسنوات عديدة مضت كل يسبح في تياره وتباعدت بينهم المسافات فقدت بينهم لغة الحوار وها هو اليوم..، مشروع يقيم جسور الود والتفاهم والحب بين الآباء والأبناء ويخلق جوا من الدفء الأسري من خلال اللقاء حول كتاب؛ حتى تنشأ الأجيال المقبلة نشأة نفسية وتربوية صحيحة ليحظى بلحظة توحد حين يلتقي مع أمه أو أبيه حول فكرة واحدة داخل كتاب واحد في اللحظة الزمنية نفسها..!
مخاض التطوير الحاصل في المملكة يجعلنا نتساءل أسئلة مشروعة: ماذا يحدث في العملية التعليمية على أرض المملكة؟.. وهل وفقنا إلى طريق مستقيم إلى الغايات المرجوة من التعليم العام وهو قمين بأن يضع أقدام الأمة علي مشارف المستقبل وأن يؤهلها لتتبوأ مكانا رفيعا بين سائر الأمم والشعوب الذين أدركوا قيمته، ووضعوا له البرامج والإمكانات وحشدوا له الطاقات ومهَّدوا الأرض له تمهيدا حتى أثمر، وبسَّط الصعوبات.. وأصبح لهذه الأمم شأن وأي شأن.
الآمال عريضة، لاستثمار هذا العهد الزاهر التي تعيشه المملكة تحت راية قائدها المفدّى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، راعي التعليم، وصاحب الأيادي البيضاء على هذه النهضة التعليمية من خلال مسيرة طويلة بدأت وما زالت ولم تنته بعد، تحقق خلالها الكثير والكثير من التطوير، وما زال العاملون تحت قيادته يواصلون السعي لمزيد من التطوير في عصر العلم والتقنية وفي ظل ما يسمى بظاهرة العولمة التي أصبح العالم تحت رايتها قرية متناهية الصغر وأصبح العالم كله يلهث لمواكبة هذه الثروة المعلوماتية الهائلة.
لا أحد يملك عصا سحرية ليغير بين يوم وليلة، وليس من شك في أن الأمور المهمة والمتراكمة على مدار عشرات السنين لا يمكن أن تتبدل، أو ينصلح شأنها في لمح البصر، كذلك ما يمس عقول الأمة ووجدانها، هو أمر خطير، ننتظر ثماره في غد مشرق، ربما يكون قريبا.