إعلامنا والحوار مع الآخر.. (2 من 2)
ذكرت في الجزء الأول من هذا الموضوع أن الراصد لتقويم أداء خطابنا العربي في الحوار مع الآخر، تسهل ملاحظته لتقصير خطابنا الإعلامي كأداة فاعلة؛ لتصحيح الصورة العربية والإسلامية والحوار مع الآخر، وأنه لا يعتمد على خطة مستقبلية محدَّدة المعالم، متوازنة ومتكاملة؛ لاعتماده على ردّة الفعل، كونه غير مشجع لتوجه مشاركة الشعوب في إعادة صياغة خطته وأساليبه فضلا عن بعض الإشكاليات التنفيذية، مثل: عدم التنسيق بين الجهات المتنوعة العاملة في هذا الخصوص وعدم وجود آليات للمتابعة ورصد ردود الأفعال المرتقبة من هذا الأداء مع عدم رصد ميزانيات تمويلية مناسبة لبرامج تصحيح الصورة لتحقق الهدف المنشود منه مع عدم اتّباع الأساليب، والرسائل العلمية من حيث اللغة المستخدمة، ولا يستبعد هنا استخدام اللغة العربية كنوع من التسويق اللغوي للغتنا العربية الجميلة على غرار ما يحدث من تعلم للغة الإنجليزية عبر الأفلام والبرامج الأجنبية.
ولعل مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، للحوار مع أتباع الأديان والحضارات والثقافات، تشكّل نموذجاً ناجعاً من أنجع المبادرات العالمية التي ترتكز على مبادئ راسخة، تتيح للأطراف المتحاورة تحقيق نتائج ملموسة فيما يتعلق بفض النزاعات ودفع عجلة التقدم؛ فالتعاون الإيجابي والحقيقي بين أتباع الأديان يتطلب، بدايةً، اعترافًا صادقًا بالاختلافات الدينية والتزاما بهذا التعاون فيما يخص القضايا الأخلاقية المشتركة والتمسك بتلك المبادئ الإنسانية العالمية..، استناداً إلى زخم حضوره العربي والإسلامي والعالمي، وانطلاقًا من قيادته دولة عربية وإسلامية، رائدة في الشرق الأوسط والعالم، فضلاً عن كونه خادم الحرمين الشريفين وحاميهما..
وحرصاً على تواصل هذه المبادرة العالمية، ومساهمة في حل ما تقدّم من إشكاليات، بعدما تأكّد وجود قضايا خلافية جوهرية، تشوب أداء إعلامنا العربي والإسلامي والحاجة الماسّة، ورغبة في تقديم حلول مناسبة إلى مَنْ يتعامل مع الشأن العربي والإسلامي ليضعها ضمن أولوياته وترتيب جدول أعماله سعيا نحو حوار أفضل مع الآخر؛ لأن قضية الحوار مع الآخر، تعد واحدة من أهم الإشكاليات التي تواجه إعلامنا العربي، الذي ما زال يراوح مكانه، ويقف عاجزاً عن تجاوز هذه القضية، حتى الآن، بينما انحصر خطابه الإعلامي في دوائره العربية؛ ما يؤكّد حاجتنا الماسّة إلى سرعة طرح استراتيجية فعّالة، ومركّزة في الخطاب الموجه إلى الآخر تنطلق من مستويات ومقاربات ثلاث: وطنيا وعربيا ودوليا ويمكن إيجازها فيما يلي:
في المحور الوطني، ضرورة أن يتركّز الاهتمام أولاً بالارتقاء بمستوى الإنتاج البرامجي الوطني: معنىً ومبنى.. شكلاً وموضوعا بشكل يستمد ملامحه من ثوابتنا مع الخصوصية المميزة لكل قطر عربي، بحيث يصبح الإعلام أداة للحفاظ على الوحدة الوطنية؛ ليعكس وحدة الأمة رغم تنوع الموضوعات ويدافع عن خصوصية الجماعة الوطنية (الذات) في مواجهة الآخر..
وفي المحور العربي، يجب التفكير في إقامة تكتلات عربية على المستويات المختلفة، لتعزيز مصالح الأمة العربية والمحافظة على هويتها مع إنشاء كيانات إعلامية مشتركة على مستوى الوطن العربي، من شأنها إنتاج مواد إعلامية مختلفة، تخدم الأهداف العربية والإسلامية، وبمؤازة ذلك ترجمة إنتاجها باللغات الأجنبية المختلفة مع صياغة سياسات إعلامية تراعي الجمع بين خصوصية كل دولة عربية؛ والالتزام بالثوابت العربية المستفادة من التاريخ والموروث العربي والإسلامي جنبا إلى جنب مع ضرورة القضاء على ظاهرة العشوائية في التوجه الإعلامي العربي واحترام الخصوصية الثقافية لكل دولة عربية.
وفي المحور الدولي، يجب الانطلاق فيه من خلال وضع خطة للإعلام العربي في المجتمعات الغربية، تراعي التنوع الثقافي في هذه المجتمعات وتسعى إلى توحيد الجهود العربية، وتنسيقها داخل المجتمعات الغربية حتى لا يتسم الأداء بالتضارب والعشوائية مع تشكيل هيئات إعلامية عربية متخصصة تكون مهمتها متابعة شؤون الإعلام الغربي وإصدار النشرات والبيانات والتصريحات التي توضح حقيقة المواقف العربية إزاء القضايا المختلفة لإيجاد إعلام عربي فاعل وحاضر وليس مجرد ردود أفعال، ثم استثمار رأس المال العربي بالخارج والمساهمة في تملك بعض وسائل الإعلام الكبرى بحيث يتيح ذلك للعرب الدخول مع الغرب في اتفاقات إعلامية للقضاء على ظاهرة التحيُّز والكيل بمكيالين!
ومن هنا تأتي أهمية إتاحة الحكومات العربية الفرصة الكاملة للمؤسّسات والمنظمات الأهلية العاملة في هذا الخصوص وتشجعيها، لدفعها للعمل خارج الحدود الإقليمية بهدف وخطة موحدة, لتكون مشاركة في صنع الصورة العربية الصحيحة استنادا من مصداقية هذه الجمعيات لدى المتلقي الغربي والعربي على السواء.
وما أحوجنا كذلك إلى إطلاق مبادرة جديدة من إحدى المنظمات البحثية؛ لصياغة استراتيجية متكاملة في إشكاليات تصحيح الصورة العربية والحوار مع الآخر، تحمل بنودا وسياسات محددة ومنطقية، وإخضاعها للمناقشة والدراسة والتحليل من قبل القائمين على تصحيح الصورة العربية والإسلامية من أجل صورة عربية وإسلامية صحيحة للعالم العربي والإسلامي نتجاوز بها إشكاليات الحوار مع الآخر في وقت أحوج ما نكون فيه إلى سلاح إعلامي فعّال، وواع ويقظ؛ لتجاوز عثراتنا التاريخية المأزومة ..!