خطاب إعلامنا في الحوار مع الآخر (1 من 2)

كلما شكّل الحوار أهمية خاصة في حياة الإنسانية؛ تضاعف ارتقاء الشعوب وتطورت مفاهيمها واتسعت دوائر فكرها‏ ..‏ وبات بمقدور أي إنسان على وجه المعمورة، تحديد المستوى الحضاري الذي ارتقى إليه شعب من الشعوب بلغة الحوار الطاغية فيه‏، بينما تخبو لغة هذا الحوار وتتراجع في أزمنة التسلط وفترات البطش؛ ليسود الحوار من طرف واحد لمستويات أدنى مهمتها فقط في الحياة السماع دون المشاركة، ودون إبداء أي رأي أو اعتراض‏.‏ وهنا تسود ثقافة القطيع ومنطق الرأي الأحادي‏!
وإذا كان الحوار ضرورة لا غنى عنها في عالم السياسة والبروتوكولات؛ فهو مسؤولية مهمة أيضًا، تفرضها قيم وقيمة الفكر في عالم الثقافة‏؛ فلا يوجد فكر دون حوار‏..‏ ولا توجد ثقافة في ظل الرأي الأحادي‏؛ لأن التنوع والاختلاف يعطيان الفكر ثراءً وغنىً‏ بلا حدود..‏ وإذا كان غياب الحوار من أخطر الأمراض السياسية‏؛ فهو أيضًا من أخطر الأمراض في عالم الفكر والثقافة‏.‏
باتت قضية الحوار مع الآخر من أهم قضايا الألفية الثالثة تفاعلاً على الساحة الدولية؛ فالآخر هو الإنسان المغاير من ثقافة وحضارة أخرى، مختلفة عن ثقافتنا وحضارتنا, لكنه شريك الإنسانية‏.‏ ومنذ أن انتشرت في أوروبا المقولة المأثورة لفرانسوا مورو,‏ وزير خارجية فرنسا في عهد ديجول‏,‏ أن القرن الـ 21 سيكون قرنًا دينيًا أو لن يكون!‏ ثم بعدها بعقود عدة انطلقت دعاوى صمويل هاننتجتون الشهيرة أن القرن الـ 21 سيشهد صراعًا بين الحضارات‏.‏ وتتفق المقولتان في أن القرن الـ 21 سيكون قرنًا روحيًا وفكريًا‏,‏ يزداد فيه الحوار مع الآخر‏,‏ أو الحوار بين الإنسان المسلم والإنسان الأوروبي والأمريكي والشرقي عمومًا, المختلف كل منهم عن الآخر.
وندري جميعًا أن الحوار مع الآخر إنما هو حوار مع ثقافته وحضارته‏، حيث لا يمكن فصل الدين عن الثقافة أو الحضارة, وأن حوار الأديان وحوار الثقافات وحوار الحضارات حوار واحد متكامل ومتداخل ومتشابك وله أبعاد وأهداف متعددة ومتنوعة، يجب أخذها في الاعتبار خلال مؤتمراتنا الدولية لتعزيز الحوار مع الآخر، الذي ساعد على انتشاره وذيوعه، التقدم المذهل والمتنامي الذي نشهده في وسائل الاتصالات والمعلومات، خاصة الفضائيات وشبكة المعلومات العالمية ''إنترنت''، التي أسهمت في تلاشي الحدود والحواجز، وجعلت التعارف والتبادل فيما بين معظم شعوب ودول العالم أكثر سهولة وتناولاً.
وغير خاف، أن من أهم الصعاب والتحديات التي تواجه الحوار بين أتباع الأديان والحضارات والثقافات، حاليًا، تيار العولمة, وبخاصة المجال الثقافي, الذي يتهدّد الخصوصيات الثقافية لبعض الحضارات والثقافات‏,‏ ومنها الحضارة العربية الإسلامية، ثم الخوف من الآخر, أو بالأدق الخوف من المسلمين بالذات أو فيما يطلق عليه إسلاموفوبيا‏! في ظل ‏الترويج للاعتقاد الخاطئ، وربما المقصود أن الثقافة العربية والإسلامية، ترفض الحوار مع هذا الآخر،‏ وفي هذا الرأي جهل كبير بثقافتنا وديننا‏؛ وما دروا أن ثقافتنا العربية والإسلامية من أعظم الثقافات انفتاحًا على الإنسانية كافةً‏, حيث تعايشت وتفاعلت على مرّ الأزمان والقرون والعقود مع الثقافات الأخرى وأعطت للبشرية تجارب؛ وقدّمت وجوها حضارية متنوعة الأشكال والأطياف والألوان‏ ..‏ ومن الظلم البيّن كذلك الادّعاء بأن الإسلام دين انعزالي ورافض للآخر‏؛‏ لأنه في حقيقته دعوة عالمية للبشرية جمعاء؛ فلم يكن يومًا حكرًا على أمّة أو عرق أو جماعة أو فئة أو قبيلة؛ وتجاوز الإسلام بعقيدته السمحة والمتسامحة‏,‏ حدود المكان والزمان، وضم تحت لوائه ما يزيد على 1.5 مليار إنسان بعيدًا عن جذورهم وعرقهم وثقافاتهم وألوانهم‏ ..‏ ومن هنا يشكِّل الحوار مع الآخر عنصرًا من أهم العناصر التي تقوم عليها ثقافتنا العربية وديننا الإسلامي الحنيف‏.‏
وبرصد استراتيجيات خطاب الحوار العربي عامةً، والسعودي بشكل خاص بنوعيه سواء خطاب الحوار مع الذات أو مع الآخر‏,‏ ومحاولة إقامة جسور الثقة لمزيد من تدعيم الحوار الفاعل، القائم على الرغبة الحقيقية في رأب الصدع القائم بفعل مروجي أطروحة صدام الحضارات‏؛ نلاحظ أن الفترة السابقة بما حملته من عقد دورات وندوات ومؤتمرات قد استنفدت زمنًا وجهدا ومالاً كبيرا دون أثر ملموس على المسرح الدولي‏، حتى صدرت مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للحوار مع أتباع الأديان والثقافات والحضارات؛ الذي بدأ بالحوار الإسلامي العالمي، ثم الحوار العالمي في مدريد ثم الحوار الأممي في نيويورك وسويسرا، وتوجت هذه الحوارات برعايته ـــ حفظه الله ــــ إقامة مركز الحوار العالمي للحوار مع أتباع الأديان والثقافات في سويسرا.
‏ فعند تقويم أداء خطابنا العربي في الحوار مع الآخر، يسهل ملاحظة تقصير خطابنا الإعلامي كأداة فاعلة؛ لتصحيح الصورة العربية والإسلامية والحوار مع الآخر، وأنه لا يعتمد على خطة مستقبلية محدَّدة المعالم، متوازنة ومتكاملة؛ لاعتماده على ردة الفعل، وبوصفه إعلامًا غير فاعل وغير مشجع لتوجه مشاركة الشعوب في إعادة صياغة خطته وأساليبه, فضلاً عن بعض الإشكاليات التنفيذية، مثل: عدم التنسيق بين الجهات المتنوعة العاملة في هذا الإطار, وعدم وجود آليات للمتابعة ورصد ردود الأفعال المرتقبة من هذا الأداء مع عدم رصد ميزانيات تمويلية مناسبة للبرامج العاملة في مجال تصحيح الصورة لتحقق الهدف المنشود منه مع عدم اتّباع الأساليب العلمية من حيث اللغة المستخدمة, ولا يستبعد هنا استخدام اللغة العربية كنوع من التسويق اللغوي للغتنا العربية الجميلة على غرار ما يحدث من تعلم للغة الإنجليزية عبر الأفلام والبرامج الأجنبية‏.‏

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي