هل المشاريع صندوق أسود أم شفاف؟
يحكى أن قيصر كان يقوم بجولة في قصره الواسع ليتفقده ويعرف ما يوجد فيه ثم إنه دخل المطبخ وكان الطهاة في داخله, ورأى كيف تعمل الأشياء وتطبخ, ثم إن نفسه عافت الطعام مما شاهده, وعندها قال له الوزير سريعا يا مولاي: الأكل على الطاولة، أي أنك لا تنظر كيف تعمل الأشياء, لكن انتظر حتى تعد وتجهز بشكل رتيب على الطاولة، لكن ومع أن هذه الحكاية قد تبدو منطقية إلا أنها تتعارض وبعض الأكلات في المطبخ الياباني, حيث يقدم ''الشيف'' الأكل على صاج رائع وحركات بديعة ثم يقدمه بشكل صفيف لضيوفه الذين يجلسون يراقبون كيف يصنع.
وإذا نظرنا إلى المشاريع فإنها تعد أحد المنتجات التي تصنع بشكل فريد من خلال آلاف العمال المهرة, ويشرف عليهم مهندسون ومراقبون يعملون بشكل متواصل حتى يقدم ذلك المنتج في النهاية لمستخدميه. وهنا يبرز السؤال الملح في كيفية صناعة وإدارة هذا المنتج, وهل هو حال بنائه وصناعته يعد صندوقا أسود لا تستطيع أن ترى شيئا منه أبدا حتى ينتهي أم أنه شفاف تستطيع أن ترى كل شيء وترى كيف تعد الخطوات بشكل مفصل وتعرف ما يحدث داخله بدقة؟
وبالنظر إلى كثير من المشاريع التي تنشأ في الوقت الحاضر وعلى اختلافها وتنوعها من إنشائي إلى رقمي إلى غير ذلك من مشاريع التنمية, نجد أنها في الغالب تعد صندوقا أسود, وأن كل ما يمكن أن تعرفه يخرج من ثقب صغير جدا من خلال مدير المشروع, فلا يوجد برنامج زمني للمشروع ولا تعرف تاريخ الاستلام الابتدائي, وبمعنى أصح لا توجد منهجية لإدارة المشروع وهي تدار بشكل فردي, ولذا يقوم بتحذير أي واحد من أن يخرج معلومة عن هذا الصندوق, ولذا نجد أن هذا الصندوق في نهاية المدة كثيرا ما يتعثر ومن ثم تخرج مبررات على ذلك, وأن هناك عوائق كثيرة, ويتطلب الوضع وقتا ومدة زمنية أخرى في بعض الأحيان تكون أكثر من المدة التي انقضت لاستكمال بناء الصندوق الأسود ثم لا نعرف إذا ما كان في المرة القادمة سيخرج المنتج النهائي من الصندوق أم أنه ستكرر الأعذار مرة أخرى.
نحن نعيش هذه النهضة الشاملة في مناحي الحياة تعد المشاريع وتنفذها بشكل فاعل هي محصلة الخطط الاستراتيجية للدولة ومن دون أن تكون هذه المشاريع تدار بشكل منهجي ومن خلال مكتب إدارة مشروع يخصص لإدارة هذه المشاريع وتعطى له الأدوات والبرمجيات التي تقود إلى عمل شفاف ومنهجية صحيحة، فإن كثيرا من المشاريع ستغلق أبوابها على أنفسها وتعمل بشكل فردي بأدوات بدائية وطرق غير منهجية تكون محصلتها تعثر تلك المشاريع وتوقفها.
إن منهجية الصندوق الشفاف هي ما نحتاج إليه في هذا الوقت وفي هذا الزمن, حيث إنها تعطي المسؤول شكلا من المشاركة في رؤية ما يحدث، وأن يكون المشروع على الطاولة بشكل مستمر من خلال برمجيات وأدوات أتيحت لهذا العلم أن تعطي الإدارة العليا ما يحتاج إلى معرفته دون أن يذهب إلى المطبخ.
ولذلك وقبل أن تصنع الأشياء لا بد من بناء مطبخ يصنع تلك الأشياء فإذا لم يكن فإنه من الضروري أن يوجد وأن يكون حوائطه من زجاج، وأن توجد فيه من الشفافية والنظافة ما يمكن أن يزار في كل حين وأن يعرف متى سيقدم الطعام بشكل دقيق.
ويأتي المؤتمر الثالث لادارة المشاريع الذي تنظمه الهيئة السعودية للمهندسين الأسبوع المقبل ـــ إن شاء الله ـــ وبرعاية كريمة من خادم الحرمين الشريفين ليلقي الضوء على أهمية التخطيط وإدارة المشاريع في نجاح تلك المشاريع في المملكة, ويستعرض تجارب في هذا المجال, وكذلك المناهج التي ظهرت خلال السنوات الأخيرة لتجعل من هذه المشاريع وإدارتها تتبع تلك المناهج لتوصلها في النهاية إلى النجاح المؤمل.
وتستعرض شعبة إدارة المشاريع في نهاية جلسات المؤتمر في هذا المؤتمر خطة مقترحة لتطبيق تلك المناهج, وستتلو تلك الخطة توصيات المؤتمر التي تأمل الهيئة أن تكون تلك التوصيات إحدى الخطوات إلى بناء إدارة مشاريع شفافة في المملكة, وأن تتلوها خطوات سريعة في بناء معرفي وإداري حتى تتكلل بالنجاح كل المشاريع في المملكة، وأن تصبح إدارة المشاريع وسيلة لجعل المشروع صندوقا شفافا تعرف كل واحد كيف تصنع وكيف تدار, وأن إدارة المشاريع هي فن تنفيذ الخطط الاستراتيجية للدولة لتصبح جاهزة للاستخدام في الوقت والتكلفة والنطاق.