استراتيجية أمريكا في أفغانستان والمخاوف الإقليمية
أفضل ما يوصف به الوضع الحالي في أفغانستان، أنه طريق استراتيجي مسدود. وبينما لا تخسر الولايات المتحدة، والقوات الحليفة لها، الحرب تماما ضد طالبان، فقد فشلت في تحقيق أهدافها المتمثلة في القضاء على القاعدة، وهزيمة طالبان، وضمان أن تكون حكومة كابول قادرة على منع عودة طالبان إلى الحكم بالقوة. وتسعى الولايات المتحدة، وحلفاؤها في الوقت الراهن إلى استراتيجية تنقذ ماء الوجه''، حيث وصفها بعض المعلقين في الغرب، بصورة قاسية بأنها ''إعلان النصر، ثم الهرب''.
أكملت إدارة الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، مراجعة لاستراتيجية الحرب في أفغانستان في كانون الأول (ديسمبر) من عام 2010. وادعت النسخة المعلنة من تقريرها حول ذلك تحقيق مكاسب رئيسة ضد القاعدة، وحركة طالبان، وبصفة خاصة في المناطق الرئيسة التي ظلت تحت سيطرة هاتين الجهتين لفترة طويلة من الزمن، بما في ذلك إقليما هلمند، وقندهار. ومع ذلك، اعترف التقرير بأن المكاسب كانت هشة، ويمكن أن تختفي ما لم يتحرك الجيش الباكستاني ضد طالبان التي تتحرك من معاقل آمنة في الإقليم الحدودي الشمالي الغربي، وضد المناطق التي تسيطر عليها القبائل، وتديرها الدولة، حيث من المطلوب تحرك الجيش بنشاط، وقوة.
حين كان الرئيس أوباما يخاطب مندوبي وسائل الإعلام في البيت الأبيض، قال إن الولايات المتحدة ''ستصر على إبلاغ زعماء باكستان بأن الملاذات الآمنة من جهة الحدود الباكستانية لا بد من التعامل معها''. وكانت الإدارة الأمريكية المدنية، والعسكرية تحاول إقناع باكستان، منذ بعض الوقت، بأن القضاء على تلك الملاذات الآمنة يصب أولا في صالح باكستان، إضافة إلى أنه أمر في صالح السلام الدائم والاستقرار في أفغانستان. وإن أهمية تحقيق باكستان لنجاح شامل تعني زيادة كبيرة في الضربات الجوية الأمريكية ضد الإرهاب في مناطق القبائل الحدودية، على الرغم من أن اللجوء إلى عمليات برية شاملة رئيسة أمر غير محتمل.
على الرغم من أن التقرير الأمريكي ادعى تحقيق تقدم رئيس على صعيد تدريب قوات الجيش الوطني الأفغاني، إلا أن أداء تلك القوات في ميادين القتال لا يظهر ذلك، كما أن قدرات ذلك الجيش محدودة للغاية في السيطرة المستقلة، وإدارة مناطق متنازع عليها. وعلى الرغم من هشاشة الإنجازات، وضعف الواقع على الأرض، فقد ذكر التقرير الأمريكي أن الجدول الزمني لبدء انسحاب القوات الأجنبية من باكستان في تموز (يوليو) من عام 2011، سيبقى على ما هو عليه، وحسب الخطة المعلنة. وأثناء ذلك سيستمر الجمع بين العمليات العسكرية، ومزيج من التنمية، والدبلوماسية.
إن الهدف الرئيس للاستراتيجية الحربية للولايات المتحدة وحلفائها في أفغانستان هو ضمان حصول هذا البلد على الاستقرار الذي يعد أمرا ضروريا للتمكن من السيطرة على الأراضي، وبالتالي منع كل من طالبان، والقاعدة، من القيام بعمليات عسكرية مشتركة وناجحة، ضد الولايات المتحدة، وحلفائها. ويتضمن الهدف كذلك تقليص احتمالات العودة إلى الحرب الأهلية. وأما الهدف الأمريكي في المناطق الباكستانية الحدودية، فهو الحيلولة دون أن تظل هذه المناطق أرضا خصبة لتوليد الإرهاب الأصولي، وشن الهجمات على القوات الأمريكية وحلفائها على الأراضي الأفغانية.
وفقا لما ورد في تقرير قوة العمل الخاصة بمجلس العلاقات الخارجية، فإن الهدف الأمريكي في باكستان ''هو الحد من قوة، وهزيمة الجماعات الإرهابية التي تهدد المصالح الأمريكية انطلاقا من الأراضي الباكستانية، والحيلولة دون الاضطرابات التي يمكن أن تشكل خطرا على الحكومة الباكستانية، والمخاطرة بأمن المنشآت النووية الباكستانية''. وتسعى الولايات المتحدة كذلك إلى إيقاف تزويد طالبان الأفغانية بالدعم، وكذلك وقف نشاطات عدة منظمات مثل حقّاني شورا، والحزب الإسلامي بقيادة قلب الدين حكمتيار، ومنظمات باكستانية مثل لاشقرطيبة، وجيش محمد.
لا يمكن للرئيس أوباما تحمل الهزيمة في الحرب، والإبقاء على آمال إعادة انتخابه رئيسا للولايات المتحدة عام 2012. وسترتكز استراتيجية الخروج الأمريكي من أفغانستان على عمليات انسحاب تدريجي، حيث لا يتم سحب أكثر من 100 ألف جندي في عام واحد، حتى تتوافر في البلاد ''حالة توازن يمكن السيطرة عليها''. ولا تزال القوات الأمريكية، وحلفاؤها قليلين على الأرض، بينما أظهرت طالبان درجة ملحوظة من التمرد. وكذلك فإن المفاوضات مع من يسمون بالأفغان ''المعتدلين''، فشلت في تحقيق نتائج ملموسة.
تقع أفغانستان على ملتقى الطرق الاستراتيجية المؤدية إلى إيران، والقوقاز، وجمهوريات آسيا الوسطى، كما أن لدى جيران هذا البلدان مصالح جيوسياسية حيوية، وكذلك بخصوص الطاقة في هذه المنطقة من العالم. وإن عنصر القلق الأشد هو أن الولايات المتحدة، وحلفاءها سيبدأون الانسحاب من الأراضي الأفغانية، قبل توفير قوة دولية تتولى إكمال مهامهم. والأمر المتوقع، على نطاق واسع، هو أن طالبان ستتمكن بسهولة من هزيمة الجيش الوطني الأفغاني ضعيف التدريب، حيث ستستولي على كابول، وتبدأ مرة أخرى في ممارسة عمليات الجهاد، والديماجوجية الثقافية. ويمتد القلق لكي يشمل حتى إيران، والصين اللتين تتخوفان من عودة التطرف إلى أفغانستان. وهناك بلد رئيس آخر له مخاوفه الخاصة به، وهو الهند التي تخشى أن تعود أفغانستان ملاذا آمنا للجماعات الإرهابية العاملة ضد المصالح الهندية.
إن النهج الهندي ليس تكتيكيا، وإنما يعمل في الأجل الطويل، حيث استثمرت الهند أكثر من مليار دولار، وصرفت الكثير من الوقت في عملية إعادة بناء أفغانستان بعد عام 2001. غير أنه تم تهميش الهند، بصورة كبيرة، في المحادثات الخاصة بالحل الأفغاني، وذلك بسبب أمور حساسة ذات ارتباط بالجانب الباكستاني. وإن من مصلحة الهند في الأجل الطويل البحث عن حل إقليمي للصراع الأفغاني بمساعدة من جمهوريات آسيا الوسطى، والصين، وروسيا. وقد يتضمن ذلك إدخال قوة إقليمية تعمل تحت علم الأمم المتحدة لتوفير بيئة مستقرة للحكم، والتنمية، إلى أن يصبح الجيش الوطني الأفغاني قادرا على تولي الأمور.
خاص بـ «الاقتصادية»
حقوق النشر: OPINION ASIA