(هيئة متخصصة) في المنشآت الصغيرة والمتوسطة

الدعوة إلى إنشاء هيئة وطنية مستقلة ترعى المنشآت الصغيرة والمتوسطة لم تأت الآن، بل دار الحديث حول ضرورتها منذ عقدين من الزمن، وقدمت العديد من المبررات لأهمية هذا الكيان نظرا لحاجة الاقتصاد السعودي إلى تطوير المنشآت الصغيرة والمحافظة عليها وإبقاء السعوديين فيها بدلا من هجرها وتحولهم إلى (موظفين)، إما في الحكومة أو في القطاع الخاص.
كان متوقعا أن تأتي مثل هذه الهيئة مع الحديث عن مشروع إعادة هيكلة القطاع العام .. ولكن هذا لم يتحقق وهذا يطرح السؤال حول مدى جدوى وسعة أفق مشروع الهيكلة واستشرافه آفاق التطور المطلوب في الاقتصاد السعودي، ومدى إدراكه نمو احتياجات المجتمع السعودي، خصوصا أن مشروع إعادة الهيكلة ألغى وزارة الأشغال العامة والإسكان.. وقد عدنا لإنشاء هيئة عامة للإسكان!!
ثمة مبررات موضوعية الآن تستدعي وجود جهاز متخصص في المنشآت المتوسطة والصغيرة، فقطاع تجارة التجزئة استحوذت العمالة على أغلبه، وهذا يأتي في فترة ترتفع فيها البطالة بين السعوديين، وأيضا لم يعد بوسعهم دخول القطاع وتكوين منشآتهم الصغيرة لارتفاع المنافسة واحتكار القطاع.
لذا أبرز ما تحتاج إليه البيئة التجارية الآن هو وجود جهاز متخصص في التراخيص يأخذ صلاحيات الوزارات والهيئات القائمة الآن.
وجود عدة جهات للتراخيص يُصعِّب الرقابة والسيطرة والتوجيه لهذا القطاع، بل يوجد التضارب والمشاكل بين الجهات الحكومية ذاتها. وهنا نسوق مثالا وهو الترخيص للمشاغل النسائية. هذه ترخص لها وزارة البلديات رغم أنها تضم عدة أنشطة تستخدم أدوات ومواد طبية متخصصة، وبيئة عملها يفترض أن تكون أقرب إلى عيادات الأطباء.. ولكن الترخيص يأتي من وزارة البلديات, فالذي يرخص لبقالة وورشة حدادة يرخص لعيادة متخصصة!
هذا مثال, وربما القارئ لديه أمثلة عديدة، وهذا وغيره من الأمثلة تؤكد أن البيئة التشريعية للمنشآت الصغيرة والمتوسطة تحتاج إلى إعادة هيكلة شاملة, مع إعادة لدراسة الأنظمة والتعليمات والتعاميم القديمة والحديثة والتي قد تكون متضاربة ولا تلتفت للتطورات التقنية الحديثة ولا الاشتراطات الضرورية للموارد البشرية والمهارات الحديثة المطلوبة في المنشآت الصغيرة والمتوسطة.
أيضا هذا القطاع يحتاج إلى الجهة التي تسعى خلف توفير الموارد المالية المستدامة كي تنمو المنشآت الصغيرة والمتوسطة, والموارد المالية متوافرة، لكن الإشكالات الفنية والمالية والإدارية في القطاع تؤثر في استدامتها ولن تدعم حوافز التمويل, وكما قلنا سابقا: فالمشاريع الصغيرة التي توافر لها التمويل الضروري لم تنجح وفشلت بسبب فوضى القطاع وشدة البيئة التنافسية.
أيضا الهيئة المقترحة يفترض أن ترعى نشاط حاضنات الأعمال في عدة مجالات بحيث تكون عنصرا رئيسيا في الإشراف عليها ودعمها ومتابعة المتخرجين فيها للتأكد من نجاحهم في مشروعاتهم .. وهذا ضروري، لأن الوضع القائم لا يتيح للمؤسسات العامة والخاصة القائمة على حاضنات الأعمال السيطرة على البيئة الخارجية.
إننا ننتظر أن تدعم الدولة توجهاتها الكبيرة للإصلاح والتطوير بإنشاء مثل هذه الهيئة لرعاية المنشآت الصغيرة والمتوسطة بالذات مع ارتفاع اهتمامات الشباب بإنشاء المشروعات, فهناك إقبال ملحوظ وهناك نجاحات للشباب في ريادة الأعمال, وما نحتاج إليه هو قيادة الشباب إلى التطلع إلى النماذج الناجحة بالذات في التجارة، وليس هناك أفضل من أن يكون الشباب قدوة لبعضهم في النجاح.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي