نحن من يصنع التغيير
أتابع بإعجاب المقالات التي تفضل الأستاذ عبد الوهاب الفايز بكتابتها عن قطاع التجزئة ابتداء من مطلع هذا الأسبوع، وفي اعتقادي أن هذا الموضوع من المواضيع المهمة والشائكة والتي تؤثر بشكل مباشر ليس فقط في الجانب الاقتصادي للوطن بل وعلى جوانب أخرى مثل الجانب الاجتماعي والأمني والسياسي، كما أنني أعتقد أن معالجة الاضطراب والفوضى القائمة اليوم في قطاع التجزئة لن يأتي بوضع التشريعات الحكومية فقط، بل في البحث عن أسباب هذه الظاهرة المفزعة والتي سيطرت على قطاع التجزئة في كل أرجاء الوطن.
ولمعرفة تلك الأسباب فيجب علينا طرح بعض الأسئلة التي تحتاج إلى إجابات صادقة وصريحة لتسهم في إيجاد الحلول المناسبة لهذه الظاهرة ومن تلك الأسئلة:
ــ من سمح لملايين من الباعة بالوجود في مثل تلك المحال والسيطرة على ذلك القطاع ومنهم من هو ليس على كفالة صاحب المحل ومنهم من قد لا يعرف من هو كفيله ولم يلتق به في حياته؟
ــ إلى من تؤول مسؤولية فتح محل تجاري هل هي لوزارة التجارة؟ أم لوزارة الشؤون البلدية؟ أم لوزارة العمل؟ ومن المسؤول عن تقديم رخصة المحل ووجود العامل فيه؟
ــ لماذا تتم المساواة بين الشاب السعودي الذي يقوم بفتح محل تجاري ليعمل فيه بنفسه وبين ذلك الذي يقوم بفتح المحل باسمه ثم يحضر عمالة لتعمل فيه وتعطيه في نهاية كل شهر مبلغا مقطوعا؟
ــ كيف استطعنا أن نوجد ظاهرة التستر التي هي الشريان الرئيسي للسيطرة على قطاع التجزئة؟ وما الوسائل التي قمنا بها على أرض الواقع لنحد من هذه الظاهرة؟
ــ من المسؤول عن وجود أنشطة تجارية متكررة في شارع لا يزيد طوله عن 500 متر وجميع من يعمل فيه عمالة أجنبية؟
ــ هل تم تدريب الشباب السعودي على العمل في قطاع التجزئة وتأهيلهم لهذا النشاط وإعطائهم حوافز ومميزات وفرض تشريعات تسهم في استقرارهم في هذا النشاط؟
ــ ما وضع نقل الكفالات اليوم وكيف يمكن للبعض أن يتجاوز الأنظمة فتارة تجده يعمل في مطعم ومرة في مغسلة وأخرى في محل خياطة؟
ــ هل يوجد لدينا ما يكفي من المراقبين الذين يستطيعون مراقبة جميع تلك المخالفات الموجودة اليوم في قطاع التجزئة وفرض الغرامات عليها ومعاقبتها وفق الأنظمة والتشريعات الموجودة؟
ــ لماذا لم ينجح بعض الشباب في فتح مشاريعهم الصغيرة في قطاع التجزئة؟ وما العقبات التي واجهوها؟ وما تأثير العمالة الوافدة التي تعمل في القطاع نفسه فيهم؟ وما أسباب نجاح بعض السعوديين في العمل في قطاع التجزئة من خلال بعض الشركات؟
ــ ما وضع الاستقدام في قطاع التجزئة وكيف تسير منهجية الاستقدام فيه، وهل الاستثمار الأجنبي أسهم في ارتفاع التأشيرات أم خفضها؟
إن أردنا أن نجد حلولا عملية فيجب علينا أن نجيب إجابة صدق ووضوح وشفافية على الأسئلة أعلاه، وليس المواطن هو المعني بالإجابة ولا أولئك الذين تم استقدامهم وانتشارهم في أرجاء الوطن فهم يطلبون رزقهم ويعملون ساعات طويلة من أجل دخل يدخرونه ويقومون بتحويله فورا إلى أوطانهم حتى بلغ إجمالي تلك التحويلات أكثر من 100 مليار ريال سنويا، بل المعني بالإجابة هو المسؤول الذي هو مؤتمن على ما نحن فيه اليوم من أوضاع مأساوية في هذا القطاع، والذي أكاد أجزم أنه لم يخطر في باله في يوم أن يمشي في الشارع وينظر عن يمينه وشماله ليرى من يعمل في تلك المحال التجارية.
إن لكل شيء ثمنا وعادة ما يكون للتغيير ثمن باهظ، وإن كنا فعلا نرجو التغيير في هذا فأعتقد أن القضية لن تحل من خلال الاعتماد على صدور التشريعات ووضع القوانين وفرض العقوبات ومكافحة ظواهر التستر، فإن ذلك سبق أن سمعنا عنه كثيرا ومنذ زمن طويل وقد يستغرق وقتا أطول حتى يتم ما قد يسهم في مضاعفة الكارثة، ولكن إن أراد المجتمع أن تكون له بصمة في هذا المجال وأن يغير وألا يركن إلى النقد والشكوى فيجب عليه أن يقف بنفسه في مواجهة هذه الظاهرة، وأن يغلب مصلحة الوطن وأبنائه على مصلحته، فتخيلوا لو أن صاحب العقار في الحي السكني رفض التأجير إلا لمن يفتح محلا يعمل فيه سعودي، وحرص سكان الحي ألا يشتروا إلا من المحال التي يشتري منها سعوديون، إضافة إلى حرص الموردين على أن تكون أسعار التوريد لتلك المحال أقل سعرا من غيرها، وتم وضع ساعات محددة لعمل تلك المحال في تلك الأحياء السكنية وغيرها من الإجراءات التي يمكن للناس بأنفسهم أن يطبقوها، لأحدثت تلك الإجراءات تغييرا ولو مبدئيا يسهم في تصحيح جزء من تلك المشكلة، ويؤكد أن هناك مجالا للتغيير، فهناك طريقان أمامنا لمواجهة هذه المشكلة إما انتظار التشريعات أو البدء بالتغيير، وفي اعتقادي أن التغيير لا يصنع بالقرارات بل بالأفعال.