«سقط سهوا» .. مجموعة قصصية تخلع الهامش داخل متن الفكر والسرد

«سقط سهوا» .. مجموعة قصصية تخلع الهامش داخل متن الفكر والسرد

إذا كانت عبارة “سقط سهوا” توحي بشيء من الهامشية، فإن هذا الإيحاء لا يمكن تطبيقه على المجموعة القصصية لتركي محمد السديري المعنونة بالعبارة السابقة، فالواضح أن القصدية التي تمثل العكس المطلق للسهو هي العنوان المبطن في النصوص المكتوبة بلغة واضحة وفكرة تضع المعطيات وتبني عليها النتائج أولا بأول، وأسلوب يعرف جيدا ماذا يريد أن يقول .. بل إن المستوى المسالم للتوقعات على عبارة الغلاف، لايلبث أن يتحول إلى نبرة أدبية تحمل وراءها طرحا فكرياً عالي الإيقاع.
وإذا كان ثمة عنوان آخر لا يقل إيحائية فهو البساطة التي تحفل بها المجموعة، الغلاف يضعك إزاء عدد من المربعات المنتظمة في فضاء بصري أصفر، بينما يبدو أحدها بلون أحمر مغاير للبقية، وخارجا عن السياق قليلا. وهذا النمط “المؤشراتي” ليس الوحيد الذي سيدفعك لاستلهام ذهنية اقتصادية في تشكيل عمل أدبي بدءا من تخفيفه من الأعباء اللغوية الثقيلة التي قد لا تمثل استثمارا ناجحا في القارئ، مرورا بطريقته التي تسلك أقصر الطرق للوصول التعبيري بالمعنى المطلوب. وبحسب المقدمة التي كتبها الناقد الدكتور سعد البازعي، فإن مجموعة “سقط سهوا” تراوح بوضوح بين السرد والفكر، وهي محاولة جادة وطموحة للتدخل في المشهد الثقافي الإبداعي المحلي، تستحق القراءة وتنبئ عن مقدرة قصصية يمكن أن تسفر عن أعمال مميزة.
تسعة نصوص قصصية في 83 صفحة من القطع الصغير، كشف فيها السديري عن تجربة كتابية لها ملامحها الخاصة في باكورة أعمالها المنشورة، ثمة كاتب يجيد السيطرة على التصاعد الدرامي والموضوعي داخل قصته، استخدم ضمير الغائب دائما لكنه كان صوته كان حاضرا بنبرة لا يمكن تجاهلها، تماما كما كان صوت الارتباط الذوقي بالشعر يفرض نفسه على مساحة واسعة من فضاء القصص، إضافة إلى ذلك فقد اشتغل المؤلف على تنويع نهايات النصوص بين مايتضمن دلالات نفسية ومعنوية عالية، أو مايرتبط بسياق السرد والفكرة، وأحيانا كان يستخدم عبارات مختزلة ذات بناء بسيط تضج دواخله بالرمزية. وفي محصلة الأمر يجد القارئ نفسه أمام عمل رشيق مكتوب في أماكن وأزمنة مختلفة. سيكون العمل المقبل واعدا بالمزيد في حال اشتغل أكثر على تنويع تقنيات السرد، وخلق مزيد من المفارقات داخل جسد النص وعلى عنوانه، مع فسح مجال أكبر للطابع الرمزي الذي يتم توظيفه فنياً لصنع مسارات فكرية وأجواء انطباعية شتى.. وحينها فقط سيتحول الحس الاقتصادي في الكتابة الأدبية إلى عنصر قوة كبيرة، لأن بورصة التشويق ستصل إلى أعلى مستوياتها في ظل التداول الرشيق للمفردة المختزلة، وهي كلها مؤشرات ستدفع قدما بقيمة المتعة الأدبية الكامنة منذ لحظة فتح الغلاف الأول وحتى “ساعة إغلاق” الغلاف الآخر!

الأكثر قراءة