نحو إرساء مشروع المواطنة في مجال التعليم (2 من 2)
اقترحت في الجزء الأول من مقالي أن يطبع مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، فعاليات لقائه الثالث للخطاب الثقافي السعودي، وأن يتم توزيعها على طلبة المدارس الثانوية، وعلى طلبة الجامعات، وأن تعقد حولها ندوات عامة. وعلى الجانب الآخر؛ أن يتم تحرك وطني على مستوى المؤسسات الأهلية، يضم عددا من التوجهات الفكرية والثقافية، لكي تقيم سياجا يحافظ على الوحدة الوطنية ويدعمها، والتشاور والتحاور وإبداء الرأي في اتجاه تدعيم البنيان السعودي..!
كما اقترحت بلورة مشروع تعليمي وتربوي للمواطنة، يُطبَّق في مدارس التعليم العام، واستثمار منصب معالي الأمين العام للمركز، والذي يشغل في الوقت نفسه منصب النائب العام لسمو وزير التربية والتعليم؛ إذ لا بد أن يعرف قادة الوزارة أن أمامهم واجبا كبيرا لكي تعود المدرسة السعودية إلى ممارسة دورها في دعم المواطنة وتعزيز الانتماء الوطني.
وإلى أن يتم ذلك، وهو يحتاج إلى وقت وجهد كبيرين، أقترح أن تقوم وزارة التربية والتعليم بتنفيذ مشروع يسمى: "مشروع المواطنة" يعتمد على تشكيل فريق من الطلاب والمعلمين وأعضاء مجلس أمناء المدرسة، بحيث يضم بين صفوفه جميع الطلبة والطالبات، ويتبنى ذلك الفريق عمل مشروع خدمي للحي أو القرية، أو الهجرة التي تضم المدرسة، وذلك بالاتصال بمؤسسات الدولة وأجهزتها المحلية والتنفيذية والجامعات، والجمعيات الخيرية، ومؤسسات المجتمع الأهلي والقوى الطبيعية من أولياء أمور وعُمد وشخصيات عامة، وبالقطع ستتنوع تلك المشروعات، من: تشجير الحي، إلى تنظيف شوارع الحي، وإنارة المظلم منها، إلى ردم المصرف غير المستخدم والبرك الآسنة، وبناء أسوار حول حدائق الأحياء، إلى مساعدة الفقراء، وجمع تبرعات لجمعية أصدقاء المرضى، إلى تجميل أسوار المصالح الحكومية وكتابة أشعار ومأثورات عن حب الوطن تمتلئ بها ذاكرتنا الوطنية.
والهدف من تنفيذ مشروع المواطنة أن يتعرّف الطلاب على الأنظمة المختلفة وطرائق الاتصال بالجهات التنفيذية والمحلية، والجمعيات ومنظمات المجتمع الأهلي، وسوف يقيمون المسابقات الثقافية الفنية والرياضية، ويرتبون أياما لعمل غداء يضم الجميع على "مائدة" واحدة، على أن تقوم الوزارة بوضع معايير للمشروعات الناجحة التي تتمكَّن من حشد كل ألوان الطيف الاجتماعي، وتقوم بترتيب الجوائز وشهادات التقدير للمشروعات الناجحة، في مسابقات علنية يحضرها الجميع، وسيجد الإعلام بين طلابنا ومعلمينا أبطالاً حقيقيين يحبون بلدهم ويتفانون في سبيله.
وغير خاف على الكثيرين من الراصدين والمتابعين للمجتمع السعودي، منذ عقود، استمرار بروز مظاهر كثيرة للتعصب القبلي، التي أراها ستتوارى مع برامج التوعية واستمرار تطور المجتمع وتقدمه: علميا، وفكريا، وثقافيا. وبالرغم من تزايد وتنامي فرص التعليم على المستويات كافة، فلم تنحصر مثل هذه الظواهر المجتمعية السلبية، التي تهدد وحدتنا الوطنية، بينما كانت كل الشواهد تؤشّر إلى ذوبان هذه الظواهر القبلية!
وأجزم أن مجتمعنا بوعيه، وبقيمه ومبادئه، وتسامحه ووسطيته، يستطيع تجاوز مثل هذه المظاهر السلبية، ولنعي الدرس جيدا، لأن السلام الاجتماعي مهم، فالمتربصون بنا ما زالوا يتربصون بنا الدوائر.. وأود أن أكرر القول المعروف عندما سئل أحدهم عن أسهل طريقة لتفكيك العراق فقال بالطائفية! وأجاب الشخص نفسه عندما طرح السؤال نفسه بخصوص الجزيرة العربية، فقال بالقبلية!
حفظ الله مملكتنا الحبيبة من كل سوء.