نتائج منتخبنا الوطني وهطول الأمطار
كيف نقيم مستوى منتخبنا الوطني لكرة القدم؟ هل على أساس ما يصرف من ميزانيات ضخمة، أم على أساس ما يتم تحقيقه من نتائج؟ المنطق يقول إن العبرة ليست بالأرقام وإنما بنجاح هذه الأرقام في صناعة النتائج على الأرض. باقي قصة المنتخب تعرفونها جيدا؛ ولكن ماذا لو طبقنا المبدأ ذاته، أي مبدأ النتائج وليس الأرقام، على الجهات الحكومية كافة؛ لنرى هل النتائج تعكس حقيقة الأرقام؟ ربما ليس لدينا ميزان محايد ليعطينا حقيقة النتائج سوى أمطار الخير والبركة؛ حيث تقدم في كل مرة تقريرا محايدا عن الحقيقة بكل ما تحمله من معنى بعيدا عن العواطف والمبالغات.
ليس حال محافظة جدة مع الأمطار إلا صورة مصغرة من مشهد متشابه للمعادلة التي طرفها أرقام جذابة نعرفها جيدا، وطرف مجهول لا نعرفه إلا عندما تهطل الأمطار. ميزانيات ضخمة، وعقود بمئات ومليارات الريالات، والنتيجة شوارع من الماء والطمئ، وأنفاق تتحول لبحيرات، وأرواح تحيط بها المخاطر من كل حدب وصوب. أمر خادم الحرمين الشريفين ــــ رعاه الله ـــ برفع تقرير عن الجهات المقصرة ومن تأخر في تنفيذ الأوامر السابقة، كما تضمن الأمر هذه الكلمات (حالا، دون أي تأخير، بشكل عاجل، بشكل فوري)، حيث لم تواجه جدة ما يشبه الفيضان كما قيل؛ بل قدرها أنها ترفع لقائد الأمة وقلبها النابض، تقريرا إداريا ومحاسبيا عن النتائج حتى يكتمل طرف المعادلة.
تمثل جدة حالة دراسية للماضي والحاضر والمستقبل. تراكمت عليها سنوات من ''التمظهر'' التنموي، القائم على الشكليات دون الأولويات. دوّارات ومجسمات في كل مكان دون بنية أساسية لمدينة هي بوابة الحرمين الشريفين. تحولت أوديتها وسواحلها لمنح ومخططات، ثم توالت الإجراءات والحلول المؤقتة؛ ليتم ترحيل المشاكل حتى كشفت الأمطار الحقيقة بين ليلة وضحاها.
هل هذه حقيقة البنية التحتية لمدينة سينفذ فيها مطار تكلفته أكثر من 27 مليار ريال، في الوقت الذي لا يغطي الصرف الصحي سوى 10 في المائة من مساحتها؟ هذه المفارقة جديرة بأن تفتح بابا واسعا للنقاش حول ترتيب الأولويات فيما نريده من تنمية لكل مدينة وقرية. ليس المطلوب بالتأكيد أن تتوقف مسيرة المشاريع الحيوية التي تعود بالخير للوطن؛ ولكن أن نعيد النظر فيما يجب تقديمه في ظل ضعف البنية التحتية لخدمات هي قوام المدن الحديثة. صرح أمير منطقة مكة المكرمة بأن هناك تأخيرا في المشاريع؛ فهل المشكلة تتعلق بجدة أم تتعلق بالبنية القانونية والإجرائية لترسية المشاريع وتنفيذها في المملكة؟ أعتقد أن الحالة عامة وليست جدة إلا مثال على ذلك. لا يمكن أن نظل ندور في الحلقة ذاتها، ونحن نعلم أن حجم المشاريع والمبالغ المعتمدة لها يفوق قدرة بعض الجهات الحكومية على إدارتها، والمستوى الحقيقي للمؤسسات والشركات المنفذة لا يؤهلها في كثير من الحالات للوفاء بالتزاماتها.
رفعت الأمطار تقريرها عن جدة مشفوعا بنتائج الجهات الحكومية كافة، ولكن ربما يكون من المناسب ألا تتمحور الحلول حول جدة فقط؛ لأن ما كشفته الأمطار في جدة قد تكشفه في مدينة أخرى.