أهل جدة والغرق!
* أهلا بكم في مقتطفات الجمعة .
***
* حافزُ الجمعة: غرقت عروس، تخلى عنها عريسٌ، بل ساهم في إغراقها.. وبكى حاضرون وزادتها دموعهم غرقا!
***
* رُزِئتُ شخصيا بوفاة والدة حبيبنا وصديقنا وأستاذنا الدكتور مقبل الذكير، الكاتبُ والمفكرُ والأكاديمي والإنسان المحب لناسه وبلده والتي تخرج إشعاعا يصل مباشرة للعقل والقلب في آن. ونسأل الله تعالى أن يتغمد تلك الروح الطيبة المؤمنة الحادبة والمربية العظيمة في ملكوت الرحمة وفراديس الخلود. إننا، كل من يعرف الدكتور مقبل الذكير وتتلمذ على يديه مباشرة أو عن طريق مقالاته المتخصصة التي تعالج بعض عوارض الأمة، ممتنون لتلك الأمّ العظيمة التي أنجبت لنا ابناً عظيما.
***
* لم أكتب عن أبي منذ أن اختاره الله حتى الآن.. الكل يسألني، ولا جواب، إلا أني لا أستطيع. كل كياني العصبي يتجمّد.. ولا تعمل بفورة دفاقة إلا قنوات الدموع. ولما توفّي الشيخُ الأديبُ المفكر "عبد الرحمن بن عبد الكريم العبيد"، أول رئيس ومؤسس فعلي للنادي الأدبي في المنطقة الشرقية، وصاحبُ المراجع والكتب البحثية التي لم يعد يستطيع أن ينجزها إلا مؤسساتٌ متخصصة.. جمَدْتُ. غاصت كل الكلمات في أعمق أعماق وجداني.. حتى أيقظني الحبيبُ الوفي علـَمٌ آخر كبير في مشهدنا الفكري، علمٌ مجبولٌ من الوفاء والمحبة ونور الطيبة مجسدة إنسانا حبيبنا وأستاذنا حمد القاضي.. لم أشرح لأستاذي "حمد" أني مكبلٌ شعورا، وأن الكلمات لم تعد تتقافز كما أكتب عادة، بل هي أعلنت إضراباً وكأن الكلمات تغرق تحت سيولة الشعور الهادر. كان الشيخ عبد الرحمن أستاذا لي ومعلما حادباً، وكان التواضع بالطبيعة التلقائية أكبر عنوان لشموخه المعرفي.. كانت الثقافة والفكر عنده قلق وهم وهدف ومصير وطريق يرصفه بنفسه حجرة حجرة إن استلزم الأمر، كان بإمكانه وبوجاهته أن يأخذ طريقا أكثر نعومة وأوفر معاشا، وكنت أسأله: "لمَ؟" وكان يقول لي: "لا تسأل مستهاماً عن هيامِهِ".. يا شيخي الجليل، يا أستاذي الكبير، ويا معلمي ويا حبيبي، يرحمك الله.. الآن فقط عرفتُ الجواب!
***
* شخصية الأسبوع: هو وهي وأنت.. أنتم أهل جدة الذين يتوقعون الكارثة، ويحذرون منها، ثم تحصل لهم في نفس المكان، في نفس الوقت، في ذات الزمان. أهل جدة الذين لا حول لهم إلا أن يموتوا غرقا أو تضيع من حياتهم أشياء بقيمة الحياة ذاتها.. أهل جدة الطيبون لم يحرقوا مدينتهم، لم يحرقوا أنفسهم، لم يعبروا تعبيرا هادرا لأنهم طيبون، ولأنهم متعلقون بمدينتهم التي كانت عروسا فأغرقها من ادعى حبها.. وأهل العروس بعضهم غرق مع العروس، وبعضهم ندب العروسَ ومن غرق معها.. هذا لا يكفي! جاء الوقتُ ليكون لأهل جدة دورٌ وكلمة وتدخّل في إدارة مدينتهم.. يجب أن تتشكل مجموعة فعالة من كبار القوم، ففي جدة أقوى الشخصيات المدنية الأهلية وأعظمها تأثيرا، ولا بد أن يتدخلوا في مسألة مدينتهم الآن، وليس بعد دقيقة.. إن مصيبة جدة أنها لم يوفَّق لها الإدارة الصالحة، ولا الإدارة المخطِّطة الأيكولوجية للمدن، إن مدنا تقام منذ دخل الإنسان عصر الاستقرار، ودائما تُراعَى ظروفُ البيئةِ المحيطة وهندستها وتضاريسها وآلية الحياة ذاتها، في جدة كان الأمرُ معكوسا، سُدّت القنواتُ، ولم تُفتح المصارفُ في مهابط المدينة، وتناثرت البيوتُ على منطقة يملكها من الأزل للأبد صاحبٌ جبارٌ هو السيلُ الذي حفر مجراه بأمر الإله. أغرقتها دواماتُ الأجندات والمصالح الشخصية.
***
في أمان الله..