انتقاء الناشئين.. لصناعة لاعبين محترفين

إن ''كلمة انتقاء في اللغة من الفعل انتقى، ينتقي، انتقاء.. وأنتقي الشيء، أي أختاره Selection، والاختيار أصبح سمة مميزة لتعاملات الناس في كل مناحي الحياة، ولكن ما يهمنا هنا هو الانتقاء في المجال الرياضي، والانتقاء الرياضي هو عملية مهمة للوصول إلى المستويات العليا، والحصول على الإنجاز الرياضي عن طريق الانتقاء الصحيح والعلمي.
والانتقاء عملية في غاية الصعوبة، نظراً لأن المدرب عليه أن يتنبأ للناشئ بقدراته الرياضية المستقبلية التي لم تظهر بعد في الوقت الحالي. وازدادت أهمية الانتقاء في المجال الرياضي، حيث ارتفعت أعداد الممارسين لكرة القدم، ونتيجة لاختلاف خصائص الأفراد في القدرات البدنية والعقلية والنفسية، فقد ركزت العديد من الدول المتقدمة في كرة القدم على إخضاع جميع الإمكانات المادية والبشرية للبحـث العلمي والدراسات الاستراتيجية حتى تتمكن من إنجاز التطور العلمي في مجال كرة القدم.
ومنذ بداية القرن الحالي والمحاولات مستمرة للتعرف على أفضل الأساليب والطرق والمعايير لإجراء عملية التصنيف والانتقاء، وظهر نتيجة لذلك العديد من المعايير المستخدمة، مثل: نمط الجسم، والطول، والوزن، والعمر الزمني، والعمر البيولوجي، والميول والاتجاهات والقدرات العقلية والمهارات الحركية، ومن هنا برزت مشكلة الموهوبين رياضياً وكيفية انتقائهم، ومعايير هذا الانتقاء وإمكانية التنبؤ بما يمكن أن يحققوه من نتائج في المستقبل في ضوء هذه المعايير. والانتقاء يعد أساس الوصول إلى المستويات الرياضية العالية، وتمكين المختصين من صناعة اللاعب الذي يستطيع التعامل مع الظروف الاحترافية، كما أن الانتقاء يعد عملية مركبة لها جوانبها المختلفة، البدنية والمورفولوجية والفسيولوجية والنفسية، ولأن الانتقاء يعد عملية ديناميكية مستمرة طويلة الأمد تستهدف التنبؤ بمستقبل الناشئين، وما يمكن أن يحققه من نتائج، لذا كان من الضروري مراعاة الأسس العلمية لجميع تلك الجوانب عند إجراء عملية الانتقاء، أنها عبارة عن تحديد ملائمة استعداد الناشئ مع خصائص كرة القدم الحديثة التي لم تعد مجرد جري وركل وضرب للكرة، بل أصبحت صناعة تحتاج إلى الإتقان خاصة في انتقاء المواهب التي يتم من خلالها المفاضلة بين اللاعبين من خلال عدد كبير منهم طبقاً لمحددات معينة، ويستخدم الانتقاء استخدامات واسعة ليس فقط في قطاع الناشئين، بل يستخدم في تكوين الفرق المحلية، والمنتخبات القومية، وتوجيه اللاعبين، وإعداد أبطال المستقبل، وتوجيه عمليات التدريب، فالاكتشاف المبكر للموهوبين في كرة القدم للناشئين من ذوي الاستعدادات العالية من الأداء في مجال المستديرة، والتنبؤ بما ستؤول إليه هذه الاستعدادات في المستقبل، وتحديد الصفات النموذجية (البدنية، النفسية، المهارية، الخططية)، التي تتطلبها كرة القدم لتحديد المتطلبات الدقيقة التي يجب توافرها في الناشئ، حتى يتم توجيه عمليات التدريب لتنمية وتطوير الصفات والخصائص البدنية والنفسية للاعب في ضوء ما ينبغي تحقيقه، خاصة أن التدريب الرياضي الحديث يتميز بمراعاة الفروق الفردية في القدرات البدنية والنفسية والحركية بين اللاعبين، ويجب تكريس الوقت والجهد والتكاليف المادية في تعليم وتدريب من يتوقع لهم تحقيق مستويات أداء عالية في المستقبل، وإخضاعهم لبرامج التدريب وفقاً للفروق الفردية؛ حتى يمكن تحقيق التنمية المثالية للاعبين حسب معدلاتهم. وترجع هذه الفروق الفردية أو الاختلافات إلى الوراثة، النضج، التغذية، الراحة، وبعض العوامل الشخصية والبيئية الأخرى، ولذلك يجب عند بدء برامج الإعداد للناشئين المنتقين من تقسيم اللاعبين إلى مجموعات متشابهة في القدرات، وتقنين الأحمال التدريبية لكل مجموعة حسب قدراتهم، حتى نضمن لكل فرد النمو الأمثل وفقاً لقدراته الفردية؛ لأن الوصول إلى القمة في الأداء في مجال كرة القدم يحتاج فيه الناشئ إلى الجين المناسب الذي يتواءم وكرة القدم؛ لأنها تختلف عن كل الرياضات الأخرى، خاصة إذا علمنا أن اللاعبين الموهوبين المنتقين هم أولئك الذين يتم التعرف عليهم من قبل أشخاص مؤهلين الذين لديهم القدرة على الأداء الرفيع، ويحتاجون إلى برامج تربوية متميزة، وخدمات إضافية تفوق ما يقدمه البرنامج التدريبي العادي.
وانطلاقاً من المفهوم السابق، فإن أحد واجبات الانتقاء الجيد هو تحديد إمكانيات الناشئ التي يمكن من خلالها التنبؤ بالمستوى الذي يمكن أن يحققه خلال سنوات عمره التي سيقضيها في ملاعب كرة القدم، وتستهدف عملية الانتقاء في مجال كرة القدم الوصول إلى مستويات عالية في هذا المجال، وقد ظهرت الحاجة إلى هذه العملية نتيجة اختلاف الناشئين في استعداداتهم البدنية والعقلية والنفسية، وقد أصبح من المسلم به إمكانية وصول الناشئ إلى المستويات العالية في المجال الرياضي تصبح أفضل إذا أمكن من البداية انتقاء الناشئ وتوجيهه للخانة المناسبة التي تتلاءم واستعداداته وقدراته الفنية والبدنية والتنبؤ بدقة بمدى تأثير عمليات التدريب على نمو وتطوير تلك الاستعدادات والقدرات بطريقة فعالة تمكن اللاعب من تحقيق التقدم المستمر في كرة القدم وذلك هو جوهر عملية الانتقاء.
كما ترتبط عملية الانتقاء للناشئين ارتباطاً وثيقاً بظاهرة الفروق الفردية، وتقوم أساساً على تحديد الفروق الفردية بين الناشئين في الاستعدادات والقدرات المختلفة الخاصة بالناشئ كفرد.
وهناك مراحل للتعرف على الناشئين الموهوبين، أهمها المرحلة الأولى، وهي مرحلة التعرف المبدئي على الناشئين، وتهدف هذه المرحلة إلى تحديد الحالة الصحية العامة للناشئ، واستبعاد من لا تؤهلهم لياقتهم الطبيعية لممارسة كرة القدم. وتتعرف هذه المرحلة على المستوى الأولي للصفات البدنية والنفسية والبيولوجية (فسيولوجي، مورفولوجي)، حيث يتم من خلال هذه المرحلة ''الفرز الأولي للناشئين الموهوبين في كرة القدم، واختيار الناشئين الذين يظهرون استعدادات رياضية عامة. وتستهدف هذه المرحلة تحديد:
ــــ الحالة الصحية العامة للناشئ من خلال الفحوص الطبية.
ــــ استبعاد من لا تؤهلهم لياقتهم الطبية لممارسة الرياضة.
ــــ الكشف المبدئي للصفات البدنية والخصائص المورفولوجي، والوظيفية.
ــــ الكشف على سمات الشخصية لدى الناشئين.
ومن ثم يتم انتقاء أفضل الناشئين من بين من نجحوا في الاختبارات الأولية، وتنحصر أهمية هذه المرحلة في كونها تمكن الناشئ من ممارسة كرة القدم، كما تسمح بمعرفة الموهوبين لتوجيههم وخلق الرغبة في نفوسهم لممارسة كرة القدم، وعند إجراء عملية الانتقاء للمرحلة الأولى يجب أن تحدد المواصفات الآتية كمحددات:
ــــ الحالة الصحية العامة للناشئ، وتشمل جميع الأجهزة الوظيفية للجسم كالجهاز التنفسي، وجهاز الدوران، وضغط الدم، ووظائف الأجهزة الداخلية الأخرى، وعملية التمثيل الغذائي.
ــــ القياسات الجسمية مثل طول وعرض وسمك ووزن ومحيط الجسم وأجزائه قياساً بمن حوله من الناشئين، ومعرفة التميز في أي القياسات لتحديد خانة اللعب التي يمكن أن يبرز فيها.
ــــ النمط الجسمي الذي يلعب دوراً مهما، فالجسم النحيف يحتاج إلى جهد كبير لزيادة الوزن، والجسم الضخم يحتاج إلى جهد مضاعف من جميع الأطراف حتى ينزل للوزن المثالي، وكلتا الحالتين تضيعان الجهد والوقت والمال، وربما لا تأتي النتائج المرجوة إذا تقاعس أي طرف من الأطراف.
ـــ الظروف الاجتماعية لكل لاعب كالمستوى الاجتماعي والاستقرار العائلي والمادي.
ــــ مستوى القدرات البدنية من عناصر اللياقة البدنية ودرجة تفوقه على أقرانه.
ــــ السمات النفسية والإرادية.
إن إجراء القياسات الفسيولوجية للاعب كرة القدم مهمة وضرورية عند التخطيط لبرامج تدريب المنتقين، نظراً لأن البيانات المستخلصة من هذه القياسات تكشف عن مدى ما تتمتع به أجهزة اللاعبين من كفاءة وظيفية التي تتحدد في ضوئها مكونات حمل التدريب، وتظهر أهميتها أيضاً في متابعة تقدم اللاعب خلال فترات الإعداد المختلفة، وفي تعديل برامج التدريب بما يتماشى ونتائج هذه القياسات، وتتحدد بإجراء الكشف الطبي الذي يحدد الحالة الصحية العامة للناشئ.
وهناك المقاييس الإنثربومترية التي توضح بعض المراجع مصطلح القياسات الإنثروبومترية بدلاً من القياسات الجسمية وكلمة إنثروبومتري، هي كلمة مشتقة من مقطعين باللغة الإغريقية، وهما Anthropo، ويقصد بها الإنسان وMetry، وتعني القياس أي تعني في مجملها قياس جسم الإنسان وأجزائه المختلفة.
لذا فإن القياسات الجسمية هي القياسات التي تبحث في قياس الأبعاد الجسدية للإنسان (الأطوال والأوزان والأعراض والمحيطات والأحجام وكذلك نسبة الدهون).
أما القياسات البدنية فهي القياسات المرتبطة بالصفات والقدرات البدنية كالقوة والسرعة والمرونة والرشاقة والتحمل، وهي التي تمكن لاعب كرة القدم من القدرة على أداء مختلف المهارات الحركية التي تتطلبها لعبة كرة القدم، وتشكل حجر الأساس لوصول الفرد إلى أعلى المستويات في الأداء الراقي في كرة القدم.
وهناك الجوانب النفسية والتربوية التي تتضمن الخصائص العقلية للناشئ، وسمات شخصيته. وقد أثبتت التجارب أن سمات الشجاعة وقوة الإرادة ضرورية عند الانتقاء، ويستخدم في ذلك الاختبارات النفسية، والاستبيانات، والمحادثات الخاصة، وهذا ما يجعل العوامل النفسية في مجال الانتقاء تكتسب أهمية خاصة؛ لأنها تشمل السمات العقلية والقدرات الإدراكية والسمات الانفعالية، ولذا يجب الاهتمام بانتقاء الناشئين الذين يتميزون بسمات مزاجية إيجابية مع مراعاة توجيههم نفسياً وتربوياً والسمات الخلقية والإدراكية، والاستقلالية والتصميم والمثابرة وضبط النفس واحترام الذات والتغلب على الخوف. كما يجب أن يتم الاهتمام باكتشاف هذه السمات خلال مرحلة الانتقاء وتنميتها وتطويرها من خلال مراحل الإعداد النفسي القصير والطويل المدى، والكشف المبكر عن الميول والاتجاهات يحدد مدى إيجابية الناشئين الذين يتم انتقاؤهم ومدى إسهام ذلك في تحقيق التفوق في المجال الرياضي، إلى جانب الاستعدادات حتى تتكامل مع القدرات البدنية.
وتكتسب الجوانب البدنية أهمية أخرى، فإضافة إلى الحاجة لانتقاء اللاعب ذي المهارات الفنية، والمعرفة الخططية، فإنه يلزم انتقاء اللاعب المتميز بالصفات البدنية المطلوبة، إذا كانت عملية انتقاء اللاعبين في المراحل الأولى تمكننا من التعرف على استعداداتهم وقدراتهم البدنية، فإن التنبؤ بما ستؤول إليه هذه الاستعدادات والقدرات في المستقبل يعد من أهم أهداف الانتقاء، حيث يمكن إلى حد كبير تحديد المستقبل الباهر للناشئين، ومدى ما يمكن أن يحققه من نتائج، ولذلك يستلزم بالضرورة انتقاء الناشئين من أصحاب المواصفات التي تتطلبها ممارسة كرة القدم خاصة البدنية حتى نضمن ثبات نمو الصفات البدنية في مراحل النمو المختلفة، بمعنى أن تظل معطيات النمو ثابتة خلال مراحل نمو الفرد منذ الطفولة المبكرة، وحتى الطفولة المتأخرة، وحتى مراحل المراهقة وما بعدها. وقد اتجهت الدراسات والبحوث لدراسة عوامل الثبات في نمو بعض الصفات البدنية، وتشير النتائج إلى أن عامل الثبات يتحقق في بعض الصفات، بينما لا يتحقق في صفات أخرى.
أما المرحلة الثانية، فهي مرحلة الانتقاء الخاص، وفي هذه المرحلة تتم تصفية الناشئين الذين تم اختيارهم في مرحلة الانتقاء الأولى، حيث يتم توجيه العناصر الأفضل في الأداء في كرة القدم الذي يتلاءم واستعدادهم وقدراتهم، وذلك وفقاً لاختبارات ومقاييس أكثر تقدماً، ومثال لذلك نجد أن الناشئ تظهر عليه صفات اللاعب الهداف مثلا في بداية ممارسته لكرة القدم، حيث تجده يشق طريقه بالكرة إلى المرمى في كل الأوقات بل يعشق إحراز الأهداف، ونجد آخر يهوى ويعشق حراسة المرمى وهكذا. والجدير بالذكر أن بداية هذه المرحلة تتم بعد مرور الناشئ بفترة تدريبية تحدد حسب الظروف المحيطة بالناشئ.. وتستخدم في هذه المرحلة الملاحظة المنظمة والاختبارات الموضوعية في قياس معدلات نمو الخصائص الموروفولجية والوظيفية، وسرعة تطور القدرات والصفات البدنية، ومدى إتقان الناشئ للمهارات الأساسية. وتدل المستويات العالية في هذه الأبعاد التي يحققها الناشئ على موهبته وإمكانية وصوله إلى المستويات المتقدمة في مجال كرة القدم.
والشيء المهم الذي يجب ألا نغفله هو ذكاء الناشئ، ويعد مستوى الذكاء والإدراك معياراً مهماً للتنبؤ بالمستوى في المستقبل. وفي عملية الاختيار من الممكن الاسترشاد بنتائج اختبارات الذكاء والإدراك، إضافة إلى عملية الملاحظة من قبل المدرب في أثناء تنفيذ بعض الواجبات الخططية، ومدى الاستجابة لمتغيرات الموقف، حيث تشير النتائج للبحوث العلمية أن هناك ارتباطا ايجابيا بين مستوى الذكاء والقدرة على فهم وتنفيذ واجبات التدريب وتطبيق خطط وأنظمة اللعب، وأن نتائج الاختبارات الاجتماعية التي تشير إلى درجة التفاعل مع الفريق تعد معياراً صادقاً لعملية الاختيار، كما أن حرص الوالدين والبيئة المحيطة ومستوى التفوق الدراسي من العوامل التي تجب مراعاتها أيضاً في عملية الاختيار لمساهمة كل منهما في الانتظام وتفهم الموقف. وفى المرحلة الثالثة التي تسمى الانتقاء التأهيلي، فهي الطريقة التي تستهدف التحديد الأكثر دقة لخصائص الناشئ وقدراته بعد انتهاء المرحلة الثانية من التدريب وانتقاء الناشئين الأكثر كفاءة لتحقيق المستويات العالية في الأداء في كرة القدم. ويتم في هذه المرحلة تحديد قدرة اللاعب للوصول إلى المستويات العالية، وتتزامن هذه المرحلة مع نهاية المرحلة الثانية من الإعداد طويل المدى، حيث يهدف الانتقاء في هذه المرحلة إلى التحديد الدقيق لإمكانات الناشئ للوصول للمستويات العالية.
ويعد المجال الرياضي بأنشطته المختلفة خاصة في مجال كرة القدم من أكثر الميادين حساسية وتأثراً بظاهرة الفروق الفردية، خاصة في وقت المنافسات والمباريات الرسمية، وعند إعداد برامج التدريب ومناهج وبرامج منافسات المدارس أو الأندية أو المنتخبات.
ونظام الانتقاء الجيد يؤدي من جهة إلى تكوين فرق ومنتخبات أكثر كفاءة، ومن جهة أخرى يساعد الناشئ ويتيح له فرصة التقدم والنبوغ مع توفير الوقت والجهد في تعليم وتدريب من يتوقع منهم نتائج طيبة مستقبلاً، وكذلك الحفاظ على الموهوبين وضمان عدم ضياع مواهبهم سواء لعدم توافر الوسائل والأساليب العلمية لاكتشافهم أو لابتعادهم عن الملاعب قبل أن يحققوا النتائج المتوقعة نتيجة لعدم حسن اختيار انتقائهم أو الاهتمام بمواهبهم. وتتحدد إمكانيات وصول الناشئ إلى المستويات العالية بعدة عوامل يجب توافرها، وبعض هذه العوامل يؤثر في المستوى الفني للناشئ بطريقة مباشرة والبعض الآخر يؤثر بطريقة غير مباشرة، فمثلاً التغذية السليمة، النوم الكافي، حسن استخدام وقت الفراغ، تجنب تعاطي المخدرات والمنومات، والمنشطات والتدخين، الظروف البيئية والنفسية والاجتماعية السليمة من حيث المسكن الصحي، الاستقرار الأسرى، حسن اختيار الأصدقاء، المستقبل الواضح في الدراسة الأكاديمية والرضا عنها، توافر خبرات النجاح، العلاقة المتوازنة بين المجهود الدراسي ومجهود التدريب، كل هذه العوامل لها أثرها في إمكانية الناشئ لتحقيق نتائج عالية في ممارسة كرة القدم.
وبالطبع هناك أهداف جوهرية للانتقاء، حيث يستخدم الانتقاء استخدامات واسعة في المجال الرياضي، فهو يستخدم في تكوين الفرق المحلية والقومية والمنتخبات وتوجيه اللاعبين وإعداد أبطال المستقبل وتوجيه عمليات التدريب، ويمكن تحديد الأهداف الأساسية للانتقاء كما يلي:
ــــ الاكتشاف المبكر للموهوبين من الناشئين من ذوي الاستعدادات العالية من الأداء في مجال كرة القدم والتنبؤ بما سيؤول إليه هذه الاستعدادات في المستقبل.
ــــ توجيه الراغبين في ممارسة كرة القدم إلى السبل والوسائل للممارسة الصحيحة لكرة القدم ومتطلباتها وفقاً لإمكانياتهم.
ــــ تحديد الصفات النموذجية (البدنية، النفسية، المهارية، الخططية) التي تتطلبها ممارسة كرة القدم لتحديد المتطلبات الدقيقة التي يجب توافرها حتى يحقق التفوق في تحقيق الإنجازات والانتصارات في منافسات كرة القدم.
ــــ تكريس الوقت والجهد والتكاليف في تعليم وتدريب من يتوقع لهم تحقيق مستويات أداء عالية في المستقبل.
ــــ توجيه عمليات التدريب لتنمية وتطوير الصفات والخصائص البدنية والنفسية للاعب في ضوء ما ينبغي تحقيقه.
ــــ تحسين عمليات الانتقاء من حيث الفاعلية والتنظيم.
ــــ التوجيه المثمر للناشئين نحو الممارسة المثالية لكرة القدم، حيث تتفق واستعداداتهم وقدراتهم.
وهناك أنواع مختلفة من الانتقاء نختار منها الآتي لأهميته:
ــــ الانتقاء بغرض إجراء عملية التصنيف.
ــــ الانتقاء للاعبين لأندية كرة القدم.
ــــ الانتقاء للمنتخبات القومية من بين اللاعبين ذوي المستويات العالية.
وبلا أدنى شك، فإن العمل المؤسسي يقوم دائماً على أسس علمية، وأيضاً ينطبق هذا على انتقاء اللاعبين الناشئين وغيرهم، كما أن هناك بعض المبادئ التي يجب أن تراعى في عمليات الانتقاء مثل:
ــــ يجب أن تكون طرق التشخيص والقياس مبنية على الأسس العلمية المعروفة والمتبعة في مثل هذه الحالات.
ــــ يجب أن تشمل جميع الجوانب المتعلقة باللاعب من النواحي البدنية والفنية والنفسية.
ــــ يجب أن يكون معلوماً للجميع بل يجب على الكثيرين أن يصححوا مفاهيمهم بأن الانتقاء في المجال الرياضي لا يتوقف عند مرحلة معينة مثل مرحلة الناشئين فقط، بل تكون القياسات مستمرة لجميع المراحل.
يجب أن تكون المقاييس مرنة تتماشى والظروف والاحتياجات مع إمكانية التعديل وفقا لهذه الظروف.
يجب أن تكون عمليات الانتقاء معتمدة على المعايير التربوية، حيث تخدم كذلك عمليات تطوير وتحديث برامج التدريب.
ــــ تجب مراعاة الفروق الفردية والجوانب النفسية المتعلقة بالناشئين.
إن اتباع الأسلوب العلمي في انتقاء الناشئين الموهوبين يمتاز بعدد من المزايا التي تكسبه الأهمية مثل:
أ – إن الانتقاء بالأسلوب العلمي يقصر الوقت الذي يمكن أن يستغرقه الناشئ للوصول إلى أفضل مستوى ممكن للأداء.
ب – إن الانتقاء من خلال الأسلوب العلمي يساعد المدربين على العمل مع أفضل الخامات المتوافرة من الناشئين.
ج – إن انتقاء الناشئين بالأسلوب العلمي يمكن أن يوفر الفرصة للعمل مع مدربين أفضل.
د – إن الانتقاء بالأسلوب العلمي يتيح الفرصة للناشئين الموهوبين فعلا للوصول إلى المستويات العالية.
هـ – إن درجة تجانس الناشئين الموهوبين تكون واحدة تقريباً مما يحفزهم مع تقدم مستويات الأداء.
و – إن انتقاء الناشئين من خلال الأساليب العلمية يعطيهم الثقة أكبر، حيث يؤثر ذلك ايجابياً في التدريب والأداء.
المتميزون والموهوبون ثروات مكنوزة من الضرورة البحث الدائم عنها واستثمارها ورعايتها لتحقق الأفضل دائماً إيماناً بطاقات الموهبة ومهارات المعرفة العليا عندما يتم اكتشافها وتوجيهها لبناء مستقبل كرة القدم، ومن هنا يأتي السؤال المهم والصعب أين نحن في الدول العربية من كل ما ذكرنا؟ وهل ننتقي لاعبينا الناشئين أو غيرهم على أسس علمية كما ذكرنا؟ وهل تتم الرعاية والعناية بالموهبة التي يتم انتقاؤها؟
إذا أردنا أن نواكب التطور المذهل الذي يحدث في عالم المستديرة الساحرة التي سلبت العقول بسحرها، فعلينا أن نسلك الطرق الصحيحة لخلق جيل جديد يستطيع أن يحدث الفارق ويقرب المسافة بيننا وبين الدول المتقدمة في هذا المجال، حتى نتحدث عن (المنافسة) خاصة أننا ظللنا لفترات طويلة جداً نتحدث بلغة (المشاركة). وفي هذه الجزئية نتحدث عن انتقاء اللاعبين الناشئين بعيداً عن الأهواء والمجاملات والعشوائية والعواطف التي أضرت بنا كثيراً، ولن يقف الأمر فقط على كيفية ونوعية وآلية الانتقاء، بل يجب أن تصاحبها الرعاية والعناية بالمواهب والمبدعين المنتقين، وهذه الرعاية تقع على عاتق الجهات الرسمية والجهات الأخرى ذات الصلة بكرة القدم من مدارس وأندية رياضية واتحادات وطنية، ثم تمتد هذه الرعاية لتتم عبر مراكز متخصصة في رعاية المواهب والمبدعين وفق استراتيجية واضحة تؤكد أهمية اكتشاف المواهب والعناية بها بعد عملية الانتقاء وعلى أسس علمية قوية لاستثمار هذه المواهب.
كما يجب فتح قنوات الاتصال مع المراكز المتخصصة في هذا المجال في كل أنحاء العالم للاستفادة من خبراتها، والاستعانة بالتجارب والبرامج التي تتعامل معها هذه المراكز وتطويعها، حيث تتواكب وإمكانياتنا المادية والبشرية وعلى حسب ظروفنا البيئية والمناخية والاجتماعية، مع وضع روية واضحة المعالم لتشجيع نمو المواهب والقدرات للناشئين في مجال كرة القدم.
وفي هذا الخصوص، يتطلب الأمر التعاون الكامل بين جميع الجهات التعليمية والتدريبية حتى المؤسسات الإعلامية والثقافية؛ لأن اكتشاف المواهب ورعايتها لا يكون قاصراً على الإدارات الرياضية فقط، بل تتحمل جميع قطاعات المجتمع بما فيها الأسر هذه المسؤولية الكبيرة. وبمناسبة مشاركة الأسر في هذه العملية يجب على القائمين على أمر اللاعبين الناشئين تقديم برامج إرشادية للأسر تحدد دورها في هذه العملية حتى يصبح تعاملها فاعلاً في عملية تنمية ورعاية أبنائهم الموهوبين، وينطبق ذلك الأمر على توفير البرامج الإرشادية في المدارس لتوجيه الطلاب التوجيه السليم، وتعليمهم مهارات التعامل والتفاعل الاجتماعي.
لا يقتصر الأمر على ذلك، بل يجب إعداد هؤلاء المنتقين من المواهب وتهيئتهم لتحقيق النمو في المهارات والقيم، وتنمية الاتجاهات الإيجابية في التعامل الجماعي بروح الفريق من أجل مساعدة القائمين على أمر تطوير مستواهم الفني والبدني لتحقيق التطور المتوازن والمتكامل في جزئياته.
ليس عيباً أن نكون مقصرين في هذا الجانب المهم في منظومتنا الرياضية، بل العيب أن نتجاهل أو نستمر في هذا التجاهل، وعلينا أن نواجه الأمر بشجاعة، وفي اعتقادي أن تطوير وسائل عناصر اكتشاف المواهب والاهتمام بتطوير قدراتها وتنمية موهبتها تحتاج إلى قرارات حاسمة وجريئة من الجهات الرسمية وفق معايير محلية أو وطنية أو قومية وتوفير الاحتياجات الحياتية للاعب المنتقى أو الناشئ المبدع ودعمه بالإمكانات المادية وتوفير المتطلبات الضرورية للحياة والاهتمام بالتأهيل العلمي والأكاديمي ووضع البرامج الإثرائية التعليمية لتعميق الفكر لدى هذه المواهب، والاتحادات الرياضية لها دور مهم في اكتشاف وانتقاء المواهب للمنتخبات الوطنية من خلال المنافسات التي تنظمها ثم يأتي دور الإعلام الذي تقع على عاتقه مسؤولية كبيرة للتعريف بالمواهب، ويقوم بدور الرقيب في مدى تطور اللاعب الذي تم انتقاؤه، وما يحتاج إليه من نقد أو تشجيع وفق درجة هذا التطور، ويأتي الدور المتعاظم للجهات الإدارية والتنظيمية في منظومة كرة القدم بمختلف فروعها بوضع البرامج واللوائح التي تنظم السياسات العامة لاكتشاف وتنمية مستويات اللاعبين الناشئين وفق أيدلوجية تترجم السياسات إلى برامج مع توفير المتطلبات الخاصة بالاستفادة القصوى من اللاعبين الموهوبين والمحافظة عليهم حتى نبني الجيل الذي تحدثت عنه، والذي سيتحمل مسؤولية المنافسة على البطولات القارية والعالمية، ووضع الدول العربية في مصاف الدول المتقدمة، وهذا ليس ببعيد لأن الساحرة المستديرة كما ذكرنا من قبل لا تعترف بالأسماء ولا بالتاريخ ولا بجغرافية المكان والزمان، بل تعترف وتخضع للذي يخطط ويبرمج وينفذ مخرجات هذا التخطيط داخل المستطيل الأخضر.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي