Author

الاستثمار الأجنبي المباشر وآثاره على ميزان المدفوعات

|
يرى فريق من الباحثين أن الاستثمار الأجنبي المباشر يمكن أن يلعب دوراً جوهرياً في تحسين هيكل التجارة الخارجية لاقتصاد البلد المضيف، ومن ثم على ميزان مدفوعاتها من خلال قدرة هذه الاستثمارات على الوصول إلى الأسواق العالمية من حيث زيادة قدرتها التصديرية وغزو أسواق عالمية جديدة وبالتالي تحقيق فائض أو تقليل العجز في الميزان التجاري. حسب آخر إحصاءات صادرة عن مركز التنافسية الوطني National Competiveness Center التابع للهيئة العامة للاستثمار بلغت إجمالي صادرات المملكة غير النفطية نحو 43 مليار دولار عام 2008، بعد ما كانت نحو 21 مليار دولار عام 2005م، شكلت نسبة صادرات الشركات الأجنبية نحو 66 في المائة من إجمالي هذه الصادرات (28 مليار دولار) بعد ما كانت 58 في المائة عام 2005. هذه البيانات تدل على أن الاستثمار الأجنبي المباشر ساعد على تنويع القاعدة الاقتصادية للمملكة مما يدل على تحقيق الهدف المنشود من استقطاب وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر. في المقابل، نحن نعلم أن الميزان التجاري يؤثر فيه عنصران أساسيان أحدهما له تأثير إيجابي وهو الصادرات، والآخر له تأثير سلبي وهو الواردات، ومن ثم فإن هذه البيانات لا تُعطينا إلا وجها واحدا من هذه التأثيرات. إذن السؤال الذي يحتاج إلى إجابة هو كم كانت قيمة واردات الشركات الأجنبية العاملة في وطننا؟ إن تأثير الاستثمار الأجنبي المباشر على ميزان المدفوعات الخاص بالبلد المضيف يمكن أن يتحقق عن طريق عدة قنوات. فالأول عن طريق التأثير الإيجابي على حساب رأس المال في ميزان المدفوعات الذي تسجل فيه تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر باعتبارها إضافة إليه، وذلك في بداية تدفق هذه الاستثمارات للبلد المضيف (الأثر المباشر أو المبدئي). أما الثاني عن طريق التأثير على الميزان التجاري للبلد المضيف من حيث التوسع في التبادل التجاري (الصادرات والواردات) مع دول العالم. والثالث هو التحويلات الخاصة بالأرباح والرسوم الإدارية (الإتاوات ورسوم حقوق الامتياز التي تدفعها الشركة التابعة للشركة الأم مقابل الحصول على حق استخدام اسم وشعار ونظام عمل الشركة الأم) وغيرها من البنود المرتبطة بالاستثمارات الأجنبية من البلد المضيف نحو الخارج مما يؤثر سلباً على ميزان المدفوعات. توضح الأدبيات الاقتصادية أن آثار الاستثمار الأجنبي المباشر على ميزان المدفوعات لاقتصاد البلد المضيف تعتمد بشكل رئيس على دوافع المستثمر الأجنبي المباشر من تحويل جزء من استثماراته خارج حدود دولة الأم. وعليه لابد أولاً من مراجعة أنواع الاستثمار الأجنبي المباشر، ثم تحليل آثار كل نوع من هذه الاستثمارات. ينقسم الاستثمار الأجنبي المباشر من حيث الأسباب والدوافع من وراء الاستثمار في دول خارج حدود دولة الأم إلى: 1.الاستثمار الباحث عن الأسواق Market Seeking الذي يهدف إلى خدمة السوق المحلية للدولة المضيفة عن طرق إحلال العمليات التصديرية من قبل الشركة الأم. حيث تقوم الشركة الأم بإنشاء وحدات إنتاجية تابعة في البلد المضيف لإنتاج السلع نفسها والخدمات التي تُنتج في المقر الرئيسي للشركة الأم. 2.الاستثمار الباحث عن المصادر الطبيعية Natural Resources Seeking الذي يسعى إلى الحصول على الموارد الطبيعية الرخيصة التي قد لا تتوافر في دولة الأم للشركة، ومن ثم يسعى لاستغلال الميزة النسبية للدولة المضيفة. 3.الاستثمار الباحث عن الكفاءة Efficiency Seeking وهو ذلك النوع الذي يسعى لزيادة كفاءته الإنتاجية عن طريق تحويل جزء من خطوط الإنتاج إلى دول مضيفة تتمتع بميزة نسبية في تكاليف الإنتاج (الخامات، قوى العمل، والمنتجات الأولية الرخيصة). لذا يعد هذا النوع من الاستثمار الأجنبي مكملاً للتبادل التجاري بين بلد الأم وبلد المضيف. 4.وأخيراً الاستثمار الباحث عن أصول استراتيجية Strategic Asset Seeking، والذي يسعى إلى الحصول على أصول استراتيجية تكون ذات أهمية للشركة الأم في الأجل الطويل. وعلى الرغم من أن الاستثمار الأجنبي المباشر قد يعمل على تحقيق فائض في الميزان التجاري عن طريق الزيادة في حجم الصادرات، إلا أنه قد يعمل أيضا على زيادة العجز في الميزان التجاري عن طريق زيادة حجم الواردات، أو يؤثر سلباً على ميزان المدفوعات بشكل عام عن طريق تحويل الأرباح وغيرها من رؤوس الأموال إلى الخارج. فإذا كان الهدف الرئيس للاستثمار الأجنبي المباشر خدمة السوق المحلية للدولة المضيفة عن طريق إنتاج السلع نفسها والخدمات بدلاً من العمليات التصديرية من قبل الشركة الأم (الاستثمار الباحث عن الأسواق)، فإن تأثير هذه النوع من الاستثمارات على الميزان التجاري غير واضح. فمن جهة ستنخفض قيمة وحجم الواردات بسبب إحلال صادرات الشركة الأجنبية بالتصنيع في البلد المضيف، كما أن هذا النوع قد يقوم بتصدير منتجاته إلى البلدان المجاورة للبلد المضيف، مما يعني تحسنا في الميزان التجاري عن طريق تقليل الواردات وزيادة في الصادرات. في الجهة المقابلة قد تقوم الشركة الأجنبية بالاعتماد على مدخلات الإنتاج كالمواد الخام والمنتجات الوسيطة المستوردة من الخارج بدلاً من اعتمادها على المدخلات المحلية، مما يعني زيادة الواردات، وبالتالي حدوث عجز في الميزان التجاري (أقرب مثال لذلك المطاعم الأجنبية العاملة لدينا التي تستورد أغلب مدخلاتها الإنتاجية من المصانع الرئيسة في بلد الشركة الأم). كذلك الاستثمار الأجنبي المباشر في قطاع الخدمات الذي يتعامل في منتجات غير قابلة للتبادل التجاري Non-tradable products، والذي يسعى لخدمة السوق المحلي، ليس له أي تأثير على الميزان التجاري للبلد المضيف لعدم تحقق التبادل التجاري (قطاع الفنادق مثلاً). بينما نجد أن الاستثمار الباحث عن الموارد الطبيعية له تأثيرات إيجابية كبيرة على الميزان التجاري نتيجة لقيام الشركة الأجنبية بتصدير المنتجات الأولية إلى البلد الأم والبلدان الأخرى (شركات العاملة في قطاع النفط والمعادن في المملكة). وأخيراً نجد أن الاستثمار الباحث عن الكفاءة له أيضا تأثيرات كبيرة على الميزان التجاري ولكنها غير محسومة. حيث تعتمد درجة تأثير هذا النوع على ميزان المدفوعات على حجم وقيمة الصادرات وواردات الشركة الأجنبية. إذن لا يمكن الجزم بأن الاستثمار الأجنبي المباشر يعمل على تقليص حجم العجز في ميزان المدفوعات للدول المضيفة. فقد يعمل على تحسين حساب رأس المال في البداية ولكنه قد يؤثر سلباً على الحساب نفسه في الأجل المتوسط نتيجة للتعاملات المالية الخارجية للمستثمر الأجنبي. كما أن المستثمر الأجنبي قد يزيد من حجم العجز في الميزان التجاري نتيجة لعدم التوازن في حجم وقيم التبادل التجاري. ومن ثم ما نحتاج إليه هو بيانات تفصيلية عن أنشطة الشركات الأجنبية العاملة في المملكة، والتي تساعد متخذي القرار والباحثين على تحليل المنافع من هذه الاستثمارات.
إنشرها