Author

رؤوس الأموال الخارجة وبيئة الاستثمار في المملكة

|
بات من الواضح أن الاستثمار الأجنبي المباشر يمكن أن يلعب دورا رئيسا في تنويع القاعدة الاقتصادية للدول المضيفة، خصوصا الدول النامية من خلال التوسع في حجم التجارة الدولية، ونقل التكنولوجيا، وخلق فرص عمل جديدة وتدريب العمالة وتطوير المهارات الإدارية، التي تنعكس بشكل إيجابي على معدلات النمو والتنمية الاقتصادية لهذه الدول. على الرغم من أن الشركات المتعددة الجنسية في الدول المتقدمة لا تزال المصدر الرئيس للاستثمار الأجنبي المباشر الصادر Foreign Direct Investment Outflows برزت بعض الشركات متعددة الجنسيات من الدول النامية كمصدر مهم لهذه التدفقات. فخلال العقدين الماضيين زاد الاستثمار الأجنبي المباشر الصادر من البلدان النامية بشكل كبير. وفقا لبرنامج الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد 2006)، فإن حصة البلدان النامية من تدفقات العالم ارتفع من 3 في المائة خلال الفترة 1978 - 1980 إلى 12.3 في المائة خلال الفترة 2003 - 2005. لتصل القيمة الدفترية لتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الصادر من هذه البلدان 280 مليار دولار في عام 2009. نحو 26 في المائة من إجمالي التدفقات الصادرة في العالم (الأونكتاد، 2010). كما تسارعت وتيرة تدفقات الاستثمار الصادرة من السعودية خلال السنوات الخمس الماضية لتصل التدفقات المتراكمة الصادرة إلى نحو 40 مليار دولار، أي ما يعادل نحو 25 في المائة من الاستثمارات الصادرة من دول غرب آسيا. يقوم برنامج الأمم المتحدة للتجارة والتنمية بنشر تقرير الاستثمار العالمي كل عام، يحتوي هذا التقرير على التطور السنوي لتدفقات الاستثمار العالمي ومساراته بين البلدان. في الوقت الذي نجد فيه أغلب الدول النامية بتحليل حجم تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الداخلة إلى أراضيها ونصيبها من هذه التدفقات، لا نجد من يناقش التدفقات الصادرة من هذه البلدان وآثارها على اقتصاديات هذه الدول. هنا يمكن أن نسأل السؤال التالي: لماذا بعد أن اتجهت السعودية لتحسين بيئتها الاستثمارية بإحداث تغيرات جوهرية متعلقة بتبسيط الإجراءات، وتخفيض الضرائب وإزالة القيود، وتقديم حزمة من الحوافز المادية وغير المادية لاستقطاب أكبر قدر من الاستثمار الأجنبي المباشر، نرى رؤوس أمول هائلة تخرج من هذا البلد؟ هل هي ظاهرة اقتصادية طبيعية، أما أنها تُبشر بوجود خلل في البيئة الاستثمارية للمملكة؟ كالتحيز للمستثمر الأجنبي على حساب المستثمر الوطني؟ يرى البعض أن خروج الاستثمارات من المملكة يدل على وجود معوقات حقيقية على الاستثمار المحلي؛ ما يدفع هؤلاء المستثمرين إلى البحث عن فرص استثمارية خارج المملكة. في المقابل، يرى آخرون أن قيام بعض الشركات المحلية بالاستثمار في الخارج دليل على كفاءة هذه الشركات، وأكبر دليل على ذلك هو أن الولايات المتحدة تعتبر أكبر مصدر للاستثمار الأجنبي المباشر وأكبر مستقطب لها في الوقت نفسه. توضح الأدبيات الاقتصادية أن تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الصادرة تحمل في طياتها آثارا إيجابية وسلبية على اقتصاد بلد المنشأ (بلد الموطن). ففي بعض الحالات ينتج من قيام الشركات المحلية بالاستثمار في دول أجنبية بتحسين قدرتها التنافسية عن طريق الحصول على تكنولوجيا جديدة غير متوافرة في بلد الموطن؛ ما يسهم في تطوير الاقتصاد الوطني. وفي الوقت نفسه قد تؤدي التدفقات الصادرة إلى انخفاض معدل الاستثمار المحلي؛ مما يؤدي إلى تقليص فرص العمل، وبالتالي ارتفاع معدل البطالة، فضلا عن التأثير السالب على تكوين رأس المال الثابت نتيجة لتحويل رؤوس الأموال إلى الخارج. ولكن يبقى السؤال: متى يتحقق هذا؟ في البداية، لا بد من القول إنه لا يمكن الجزم بأن للاستثمار الأجنبي المباشر الصادر آثارا ايجابية أو سلبية على اقتصاد بلد الموطن. هذا الموضوع ما زال يناقش في أروقة البحث العلمي، فبعض الدراسات التطبيقية وجدت أن التدفقات الخارجة تقلص معدل الاستثمار المحلي ومن ثم النمو الاقتصادي، والبعض الآخر لم يجد هذه العلاقة. وبشكل عام إن آثار هذه التدفقات الصادرة تعتمد بشكل رئيس على دوافع الشركات المحلية من وراء الاستثمار في الخارج. كيف؟ هناك أربعة عوامل رئيسة تدفع الشركات للاستثمار في دول أخرى، ويمكن تلخيص هذه العوامل في: 1) عوامل مرتبطة بالأسواق العالمية وسهولة الوصول إليها بأقل التكاليف الممكنة (الاستثمار الباحث عن الأسواق). 2) عوامل مرتبطة بوسائل الإنتاج (المواد الخام وغيرها من مدخلات الإنتاج) التي تكون عادة رخيصة نسبيا في البلد المضيف (الاستثمار الباحث عن الموارد الطبيعية). 3) عوامل تتعلق بالضغوط التنافسية من قبل الشركات الأجنبية والمحلية العاملة في الصناعة نفسها؛ مما يدفع الشركات إلى توزيع خطوط أو مراحل عملية الإنتاج على دول مضيفة مختلفة في سبيل زيادة كفاءة الشركة وتحسين جودة منتجاتها وتقليل تكاليف الإنتاج (الاستثمار الباحث عن الكفاءة). 4) السياسات الحكومية المطبقة في البلد التي تؤثر على القرارات الخاصة بالاستثمار (مناخ الاستثمار في الدولة). قد ينتج من كل دافع من هذه الدوافع آثار مختلفة على اقتصاد بلد الموطن، حيث يجب التفريق بين ما إذا كانت رؤوس الأموال الصادرة من البلد بمثابة توسع في أنشطة الشركة، أو نقل كامل لأنشطة الشركة من بلد الموطن إلى بلد أجنبي آخر. فعلى سبيل المثال، قد تجد شركة محلية أنه من المجدي نقل كامل أنشطها التجارية والاقتصادية إلى بلد أجنبي مجاور لبلد الموطن، توريد سلعها إلى بلد الموطن عن طريق التصدير. هذا العمل سيؤثر قطعا وبشكل سلبي على الاقتصاد الوطني من خلال قنوات عدة. 1) الانخفاض المباشر لمعدل الاستثمار وتكوين رأس المال الثابت. 2) تقليص الأنشطة التجارية والاقتصادية في الصناعات التكميلية (الأفقية والعمودية). 3) التأثير السالب على الميزان التجاري بميزان المدفوعات بسبب زيادة حجم الواردات. 4 ) زيادة معدل البطالة بسبب تسريح العمالة الوطنية. 5) وهناك آثار سلبية غير مباشرة مثل خلق زعزعة في مؤشر ثقة الأعمال. ولكن السؤال الأخير الذي يمكن أن نختم به المقال دون تقديم أي إجابة هو: كيف يتسنى لنا أن نعرف ما إذا كانت هذه الأموال المستثمرة في الخارج عبارة عن توسع في الأنشطة، أم هروب؟ للإجابة عن هذا السؤال يجب أن تتوافر لدينا بيانات تفصيلية ودقيقة عن طبيعة هذه التدفقات الخارجة التي لا توفر في الوقت الحالي؛ مما يجعل الإجابة عن هذا السؤال صعبة إن لم تكن مستحيلة.
إنشرها