أي مسكن ميسر نريد؟

تتوالى الندوات والمسابقات عن المسكن الميسر الذي يمكن بمقدور الفرد أن يبنيه ويسكنه وأن يكون في متناول جميع الأفراد، ويصيب كبد الحقيقة في أنه يسير المنال في أرضه وقرضه ونمط بنائه، ولكن المسكن اليوم أصبح عبئا على شريحة كبيرة من المجتمع، حيث أصبحت معادلة من الدرجة الثالثة يصعب حلها وأن تقوم الأسرة بتوفيره والسكن فيه في مثل هذه الظروف ومثل هذه النظم من البناء.
وقبل أن ندلف إلى المنزل ويسره لا بد أن نوضح أي أسرة ستخدم هذه البيت لكي يكون ميسرا ومناسبا لها، إذ إن حياة أي أسرة تمر بمراحل: تبدأ بزوجين اثنين دون أطفال، وقد تستمر سنة أو أكثر لتنتقل إلى مرحلة الإنجاب والنمو لأكثر من عشرين عاما، ثم مرورا بمرحلة أخرى وهي مغادرة الأبناء للمنزل واحدا تلو الآخر إلى أن يستقر الحال في مرحلة تشبه إلى حد كبير المرحلة الأولى وهي بقاء الزوجين وحيدين. ولذا كان من أهم الأسئلة التي لا بد من التخطيط لها, أي مسكن ميسر نريد؟
ولعل هذا السؤال من أهم الأسئلة التي يمكننا أن نعرف منها بالضبط ما هو المسكن في ذهننا ومخيلتنا ونخطط له, وإذا كان هدف كل أسرة هو الاستقرار في منزل تمتلكه ويتواءم مع المتغيرات التي تطرأ عليها بشكل طفيف فإن بالإمكان التصميم لهذا الأمر بطرق أقل تكلفة مما لو كانت هناك وجهات نظر متباينة قد تؤدي إلى رفع تكاليف المسكن بشكل كبير, ولذا نجد أن بعض الناس يحول بناء المسكن إلى مراحل وأفكار متباينة وإلى أي مرحلة نبنيه.
• فهل نبني المسكن لتحقيق حاجتنا الحالية أم لتطلعاتنا المستقبلية؟
• أم نبنيه رغبة في الاستثمار ولتحقيق رغبات المستأجر بدعوى أننا سنقوم بتأجيره إذا ما كان الإيجار مغريا؟
أم نبني وفي نيتنا بيعه ولمشتر يحقق لنا فرصا استثمارية ببيعه؟
في نظري أن مسكن الأسرة يجب أن يحقق الاستقرار لأطول فترة ممكنة لحياتها وهي دون شك لا يمكن أن تتحقق في الرغبتين الأخيرتين لأن تلك الرغبات تجعل التصميم غير مناسب لتطلعات الأسرة على المدى القريب أو المستقبلي لها إلا بعد عمل تعديلات جذرية على التصميم. أو أن الأسرة تتجرع على مضض السكن في منزل لا يتناسب وحاجتها مما يعني أنها بعد العناء والتعب في بنائه يصبح من الضيق بصور تعكس الشقاوة التي لا تطاق.
أن مما يؤسف له هو أن تلك الصورة تتكرر في الواقع الذي نشاهده، حيث إن بعض الأسر تهتم بالتصميم لغيرها حيث يشرع في وضع تصميم مسكن مكون من دورين فاصلاً الدور الأرضي عن الدور العلوي بهدف استثمار الدور العلوي, ولكن ما إن ينتهي من بناء المنزل إلا ويجد أن الدور الأرضي لا يفي بمتطلباته المستقبلية كاستقلال الأولاد في غرف خاصة بهم أو حتى وضع البنات في غرفة مفصولة عن البنين. مما يلزمه أن يضيف الدور العلوي إلى سكنه ولكن بزيادة الدور العلوي فيكون المنزل زائداً عن حاجته وتصبح بعض الغرف خالية تماماً!! ويؤدي هذا الواقع إلى عدم استقرار للأسرة طيلة مراحلها الأساسية وخصوصاً في مرحلة النمو وإنجاب الأطفال. ولذا فإن الاستثمار في مجال العقار قد يكون ذا مردود جيد على الأسرة ولكن حين يكون الاستثمار ذا أثر كبير على الأسرة في سكنها وراحتها وفي فترة مهمة من حياتها يصبح حينئذ استثماراً في غير محله.
نعود إلى نظم البناء والتصميم, وهنا أطرح مفارقة عجيبة وهي أن نظم البناء التي نستخدمها لبناء مساكننا هي أكثر صلابة ومتانة وبمراحل عن المساكن في البلدان المتقدمة التي تبنى بمواد بسيطة, مع أنها تعيش فترة أطول!!. فالمساكن في أوروبا هي مزيج بين الطوب والهيكل الخشبي الذي لا يستغرق بناؤه أكثر من خمسة أشهر ويعيش أكثر من قرن من الزمان, أما ما نبيه نحن فهو بهياكل خرسانية تحاكي القلاع ويستمر بناؤها أكثر من عام لكنها وللأسف لا تدوم طويلا في أي حي أكثر من نصف قرن والشواهد كثيرة من أحياء الرياض، حيث الملز والعليا تهدم المباني إلا أنها لم تصمد مثل مباني الدول المتقدمة وهي مفارقة تحتاج إلى دراسة أكاديمية عميقة لنستنتج منها الأسباب التي جعلتنا نبني مثل هذه الهياكل الخرسانية وهي لا تصمد مثل الهياكل الخشبية!
ومن وجهة نظري أن البناء إذا أردنا له اليسر الذي نريد لا بد أن نقوم بمراجعة جادة لما يلي:
1- إعادة النظر في نظم البناء، حيث إنها في وضعها الحالي تزداد تعقيدا وترتفع تكلفتها وهي في طريق يصعب معه البناء في المستقبل إلا لفئة قليلة من أفراد المجتمع وتوجد طرق كثيرة في بناء أكثر سهولة وأسرع في البناء مما يوفر على الأفراد أعمارهم.
2- اعتماد التقييس للبناء في كل عناصر المسكن وهي طريقة تقلل التكلفة بشكل كبير وتنشئ المصانع بدلا من الورش التي امتلأت بها المناطق الصناعية.
3- مع المتغيرات الاجتماعية التي حدثت خلال العقود الماضية لا بد أن يتفاعل معه التصميم المعماري للمسكن فربما هي السر في أن اليسر هو الكلمة الجميلة التي تغلب عسرين فلا بد أن يدخل اليسر من عتبة الباب لتنتشر في أرجاء المسكن. فقبل أن يكون المسكن حبرا على ورق وقبل أن يكون مسمارا وخشبا لا بد من تعديل التصميم الذهني في عقول معماريينا ويصبح المسكن، كما هو في السابق يسر ميسر يسير بنسيج عمراني فريد لا يكلف إلا ماء وطين وخشب ,وتهنأ الأسرة في بيتها ويكسوها شعور بالراحة والأمن والطمأنينة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي