Author

إنتاجية الفرد السعودي ومشكلة البطالة

|
وفقا لما جاء في خطة التنمية التاسعة (2010 ـــ 2014)، يتوقع أن يصل إجمالي عدد الأفراد السعوديين الداخلين لسوق العمل خلال فترة الخطة إلى نحو 1.2 مليون فرد، ونحو 3.7 مليون فرد بحلول 2024. ولكن بالنظر إلى معدل النمو في عدد الوظائف التي تم شغلها بالمواطنين في القطاعين العام والخاص خلال السنوات الأخيرة ومعدل النمو في عدد التأشيرات الصادرة عن وزارة العمل والعمال، نستنتج أنه في ظل الوضع الحالي لسوق العمل، يصعب على السوق خلق فرص عمل جديدة تستوعب هذا العدد من المواطنين، مما يعني تفاقم مشكلة البطالة بشكل أكبر مما هي عليه الآن ما لم يتم وضع الحلول الناجعة لها. في مقال سابق ذكرنا أن أهم الحلول لمعالجة هذه المشكلة هي سن ووضع بعض القوانين والتشريعات التي تجعل العامل السعودي أكثر تنافسية من العامل الوافد، وناقشنا أحد هذه القوانين (الحد الأدنى للأجور). في هذا المقال نناقش الجزء الآخر من هذه المعادلة. هناك اعتقاد سائد لدى البعض أن إنتاجية العامل السعودي تعد منخفضة جداً، خصوصاً إذا ما قورنت بإنتاجية العامل الوافد. ومن ثم ولمعالجة مشكلة البطالة يجب العمل على رفع إنتاجية العمالة الوطنية عن طريق التعليم والتدريب والتأهيل. وفقاً لنظرية الطلب على العمل، يعتمد طلب المنشآت على عنصر العمل على إنتاجية العامل وأجره الحقيقي. فمن جهة، توجد علاقة عكسية بين إنتاجية العامل والطلب على العمل، فكلما زادت إنتاجية العامل، قل الطلب على عنصر العمل، كما يوجد أيضاً علاقة عكسية بين الطلب على العمل والأجر الحقيقي. فإذا ارتفع الأجر الحقيقي للعمل قل الطلب على عنصر العمل، وتستمر المنشآت في تقليص الطلب على عنصر العمل حتى يتساوى الأجر مع الإنتاجية الحدية للعمل. وعليه كلما قل أجر العامل عن إنتاجيته الحدية، كلما زاد الطلب من قبل المنشآت على عنصر العمل. من جهة أخرى، عند النقطة التي يكون فيها أجر العامل مساوياً لقيمة إنتاجيته الحدية (الزيادة في حجم الإنتاج الناتجة عن توظيف عامل إضافي آخر)، يمكن للمنشأة أن تعظم أرباحها عن طريق زيادة إيراداتها والتقليل من تكاليفها الإنتاجية. يمكن تعريف إنتاجية العمل بأنها ''عدد وحدات الإنتاج التي يمكن إنتاجها خلال مدة زمنية محددة بواسطة وحدة واحدة من العمل''. أي ما ينتجه العامل الفرد في فترة زمنية معينة. ويمكن قياس إنتاجية العامل عن طريق حساب نسبة كمية أو إجمالي قيمة الإنتاج إلى متوسط عدد العاملين أو إلى عدد ساعات العمل. وتعتبر إنتاجية العمل مؤشراً مهماً لقياس مدى كفاءة وفعالية عنصر العمل في تحقيق مستوى معين من مخرجات العملية الإنتاجية. وهناك عوامل رئيسة يمكن أن تلعب دورا مهما في تحديد مستوى إنتاجية الفرد العامل، من ضمن هذه العوامل، جودة مدخلات الإنتاج، التأهيل والتعليم والتدريب، ومستوى الأجور السائدة في سوق العمل. وبيئة العمل المتمثلة في القوانين والتشريعات الخاصة بسوق العمل. بناء على ما سبق، فإن المنشآت العاملة في القطاع الخاص ستفضل دائما العامل الوافد على العامل الوطني لسببين: الأول، انخفاض الأجر المعطى للعامل الوافد مما يعني تكاليف إنتاج أقل، والثاني إنتاجية هذا العامل الوافد أكبر من نظيره الوطني. ومن ثم فإن الإجراء التصحيحي لهذا الوضع هو رفع إنتاجية العامل السعودي! عند النظر إلى إحصاءات العمالة الوافدة الصادرة عن وزارة العمل والعمال نجد أن ما نسبته 77 في المائة من إجمالي العمالة الوافدة العاملة في القطاع الخاص هم ممن لا يحملون مؤهلات علمية (أمي، أو يقرأ ويكتب)، وما نسبته 14 في المائة ممن يحملون الثانوية فأعلى. كما أن متوسط الأجر الشهري للفرد العامل في القطاع الخاص وصل إلى 991 ريالا في الشهر عام 2009. إذن من أين تأتي إنتاجية العامل الوافد؟ تأتي إنتاجية العامل الوافد من عدة مصادر أهمها ساعات العمل الطويلة، الإذعان الكامل لأوامر صاحب العمل بسبب مصادرة حقوق العامل الناتجة عن ضعف قوانين العمل والعمال. مثلاً العامل الوافد، يعمل محاسبا، سكرتيرا، سائقا، وغيرها من المهام التي يطلبها منه رب العمل، التي تخالف ما تم التعاقد عليه. فعند رفض العامل القيام بإحدى هذه المهام، ربما يعطى تأشيرة خروج نهائي أو يحرم من راتبه، وهذا ما لا يسعى إليه أي عامل وافد جاء هنا ليعمل. بمعنى آخر أن نظام الكفالة لدينا يعطي لصاحب العمل الحق في سلب أبسط حقوق العامل الوافد. إذن المقارنة بين العامل الوافد والوطني ليست في محلها، حيث إننا نقارن ''تفاح ببرتقال''، بمعنى آخر، أنه عند مقارنة ''x'' مع ''y'' لا بد من إبقاء جميع العوامل المختلفة التي قد تؤثر في الاثنين ثابتة. ولكن في موضوعنا هناك عوامل كثيرة لا تنطبق على العاملين. حسب آخر إحصاءات صادرة عن مؤسسة النقد العربي السعودي، فقد بلغ عدد العاملين المواطنين في القطاع المصرفي مع نهاية عام 2009، نحو 32 ألف عامل، أي ما نسبته نحو 86 في المائة من إجمالي العاملين في هذا القطاع، خلاصة القول إن الافتراض الذي بدأنا فيه مقالنا لا يمكن أن يصمد أمام هذه الحقائق. إن العامل الوافد أفضل إنتاجية من العامل السعودي بسبب غياب بعض القوانين والتشريعات التي تسلب أبسط حقوق العامل الوافد، وليس بسبب اختلاف الجينات المسؤولة عن الإنتاجية. الفرد السعودي لا تنقصه الخبرة ولا التدريب، وإنما ينقصه بعض القوانين والتشريعات التي تساعده على منافسة العمالة الأجنبية الرخيص مسلوبة الحقوق.
إنشرها