أكره النجاح و لا أحب الفشل
هل هناك من يكره النجاح أم أنه عنوان مخادع لجذب القراء؟ أم يا ترى هو تلاعب بالألفاظ و مفردات اللغة؟ الحقيقة لا هذا ولا ذاك وسأزيد التعجب حين أقول لكم أني لا أحب الفشل بل أحب النجاح لكن "النجاح الايجابي فقط" فما الفرق؟.
دعونا نقف قليلا عند تعريف النجاح كمصطلح و الذي يعني لي باختصار "تحقيق الهدف" و هنا يكمن الإشكال عندي لأنه يصبح مصطلحا حياديا لا هوية له و لا نستطيع تحميله أيا من القيم أو الأخلاق الحميدة إلا إذا اشترطنا أن يكون النجاح ايجابيا و لا يكون كذلك إلا بتحقق شروط منها:
1. ايجابية الهدف المراد تحقيقه: و هذا لب الموضوع و أصله فكل هدف يتعارض مع القيم و الأخلاق لا يصلح للفخر و التمجيد و إبليس اللعين ساع باجتهاد في تحقيق هدفه بإضلال بني ادم و لا شك أنه ناجح بالمعنى اللفظي لكلمة النجاح!
2. الوسيلة المشروعة : و الله طيب لا يقبل إلا طيباً و في الإسلام "الغاية لا تبرر الوسيلة" بل هذا مبدأ ميكافيل و الصعالكة و روبن هود.
3. الآثار الجانبية: فربما يكون الهدف ساميا و الوسيلة مباحة لكن تحقيق الهدف يترتب عليه آثارا سلبيه و قد ترك الرسول صلى الله عليه و سلم إعادة بناء الكعبة و قتل المنافقين درءاً لمفاسد أكبر.
و لعلكم تضيفون شروطا أخرى للنجاح الايجابي الذي يستحق أن يسعى اليه المسلم و يفتخر به و "نربي" عليه أطفالنا و شبابنا بل أنفسنا قبلهم و لعل ما استفزني في هذه القضية أن مصطلح النجاح قد وفد إلينا مع موجة "تطوير الذات" التي عشتها ردحا من حياتي و قرأت فيها الكثير من المقالات و الكتب و كثيرا ما كانت أمثلة النجاح "مادية بحتة" خالية من البعد الأخلاقي حتى صرنا كما يقول المفكر د.عبدالكريم بكار لا نذكر كلمة رجل طيب أو خلوق أو صالح بل رجل ناجح! و له مقولة أخرى جميلة معناها تقريبا "ما أجمل أن نحقق مصالحنا في إطار قيمنا" و لله الحمد فكل شيء وفقاً لديننا الإسلامي حلال إلا ما ثبت حرمته بدليل و ما أصغر دائرة الحرام عند الفقهاء العظام.
طبعا لا يوجد أي تعارض –اجمالا- بين طلب العلم او المال او المنصب و بين الاخلاق الحميدة و الصلاح و التقوى بل يكون ذلك تحقيقا للآية العظيمة التي نرددها صباح مساء "إياك نعبد و إياك نستعين" و ذلك بتحقيق معنى العبادة و عمارة الأرض و قد كان التجار المسلمين اكبر ناشرين للاسلام خاصة في شرق أسيا بما بنوا به نجاحهم التجاري من أخلاق إسلامية رائعة كانت أعظم وسيلة لنشر دين الله.
وان كانت الشركات تتنافس في تمييز منتجاتها بخاصية معينة تسمى ميزة تنافسية "competitive advantage" فإن للمسلم ميزة تنافسية تميزه عن كل البشر كونه يدين"بدين كامل شمل كل حياته" فان تخلى المسلم عن دينه في طلب الدنيا فما الذي يميزه عن باقي البشر؟
أخيرا أتمنى شيئين:
أولا :ان نقيد تعريف النجاح خاصة حينما نلقنه للأطفال و الشباب بأن يكون "ايجابيا" مفيدا وفق قيم المسلم و أتذكر جيدا حين درست الابداع مع د.طارق السويدان أنه عرف الابداع بأنه: "عملية الاتيان بجديد مفيد" على الرغم من أن الابداع قد يكون في أي شيء لكن هذا دور المعلم و الناشر للوعي حين يتحدث عن مثل هذه القضايا.
ثانيا: أن نضيف الى قائمة قصص النجاح التي مللنا تكرارها (مثل قصص هونداي و كنتاكي) نوعين من القصص:
1- قصص تحمل قيما اخلاقية و ان كانت بسيطة كرجل بر بأمه المريضة أو ساعد اخوته او قدم عملا لمجتمعه البسيط سواء محليا او عالميا حتى نحيي في النفوس البعد الأخلاقي و الديني لأن هناك من يمارس هذه الاعمال العظيمة و هو لا يعلم أنه بطل كبير و ناجح عظيم و رب أشعث أغبر لو أقسم على الله لأبره و في صحيح البخاري:
مر رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما تقولون في هذا قالوا حري إن خطب أن ينكح وإن شفع أن يشفع وإن قال أن يستمع قال ثم سكت فمر رجل من فقراء المسلمين فقال ما تقولون في هذا قالوا حري إن خطب أن لا ينكح وإن شفع أن لا يشفع وإن قال أن لا يستمع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا خير من ملء الأرض مثل هذا.
2- قصص فيها شيء من الواقعية يمكن تحقيقها في ظل ظروف "الزمان و المكان" و هذه نظرة واقعية عملية نستخدمها لتحليل أي شركة او مشروع لأننا مازلنا نعيش في عالمنا الواقعي ولم نصل بعد لخيالات فيلم الماتريكس!.