معضلة الإسكان ودور القطاع الخاص
لقد سعت حكومة المملكة إلى تمليك المسكن للأسر السعودية جاهدة من خلال الخطط الخمسية التي وضعت سياسات واستراتيجيات التنمية على مستوى الوطن, وقد حاز الإسكان على الحظ الوافر من هذه التوصيات والسياسات، إلا أن الزيادة السكانية غير المتوقعة مع كثير من الإخفاقات في الخطط الخمسية أظهرت مشكلة توفير المسكن وتمليكه للمواطن بشكل واضح وملموس رغم جميع ما قدمته الدولة من منح للأراضي وقروض طويلة المدى وبدون فوائد وإعاقات, إلا أن المسكن أصبح سلعة وهدفا لا يناله إلا القليل من أفراد المجتمع.
إن مجال الإسكان في المملكة يتطلب تمويلاً في حدود 2400 مليار ريال خلال العشرين سنة القادمة، علماً بأن المتوقع أن ينمو قطاع الإسكان بنحو 5 في المائة سنوياً، وأن يصل عدد الوحدات السكنية المطلوبة لغاية سنة 2025 نحو أربعة ملايين وحدة سكنية، وجدير بالذكر أن مجمل متطلبات تمويل الإسكان في المملكة لسنة واحدة قد يصل إلى نحو 117 ألف مليون ريال.
فالقطاع الخاص استفاد بشكل كبير من النمو المتزايد الذي تشهده المملكة، كما أن حركة البيع والشراء في مجال العقارات وصلت في الأعوام الماضية إلى معدلات عالية ويرجع ذلك إلى بقاء المضاربات العقارية بين أصحاب الأموال، إضافة إلى وجود سيولة كبيرة لدى البنوك تقارب حسب إحصائية مؤسسة النقد العربي السعودي في نيسان (أبريل 2005) 5056 مليار ريال، ولا شك أن عامل الاستقرار السياسي والأمني أساس تطور سوق العقارات.
على الرغم من التوجهات الحكومية بالمساهمة في حل مشكلة تأمين مساكن للتملك في السعودية إلا أن ذلك يتطلب جهودا كبيرة من قبل القطاع الخاص لتأمين مساكن للمواطنين ذوي الدخل المتوسط أو المحدود، خاصة في ظل ارتفاع أسعار الأراضي، وارتفاع في النمو السكاني حيث بلغ هذا النمو في بعض مدن البلاد أكثر من 8 في المائة سنويا كأعلى نسبة نمو في العالم، حيث تحتاج العاصمة الرياض وحدها خلال 17 عاما القادمة 1.5 مليون وحدة سكنية لإسكان ما يزيد على عشرة ملايين نسمة هم مجموع سكان الرياض وحدها خلال ذلك العام. وتوجد شريحة كبيرة من المواطنين لا تستطيع شراء أراض وذلك لارتفاع أسعارها في المناطق وسط المدن السعودية أو حتى الأراضي الواقعة على أطراف المدينة والتي ارتفع سعرها في الفترة الأخيرة، حيث يبلغ سعر متوسط الأرض الصالحة للسكن قرابة 500 ألف ريال (133 ألف دولار), وهي قيمة تعتبر مرتفعة وبعيدة كل البعد عن أيدي المواطن ذوي الدخل المتوسط أو المحدود، خاصة في ظل غياب البدائل كالتمويل العقاري أو المساكن الميسرة، ويزداد الأمر سوءًا لهذه الشريحة من المواطنين نتيجة استمرار ارتفاع أسعار الأراضي وانخفاض مساحة الأراضي السكنية المتاحة ضمن النطاق العمراني للمدن. إضافة إلى انخفاض حجم المعروض من المساكن الواقعة في متناول القدرات المالية للأفراد، وعدم مواكبة التمويل المتاح للطلب على قروض صندوق التنمية العقارية.
وبناء على ما سبق فقد أصبح من الضرورة توفير أراض سكنية مزودة بالخدمات والمرافق وبأسعار مناسبة، خاصة في مناطق التجمعات العمرانية وأهمية إعطاء أولوية الحصول على القروض المقدمة من صندوق التنمية العقارية للمواطنين من ذوي الإمكانيات المحدودة. وخلال هذه الفترة أصبح تملك السكن يشغل شريحة كبيرة من المواطنين للتخلص من عقدة الإيجار التي أصبحت مرهقة مع ارتفاع الأسعار وعدم وفاء الوحدات السكنية المؤجرة بالمتطلبات التي يحتاج إليها المستأجر من توزيع في الغرف أو جودة في البناء، إضافة إلى ارتفاع أسعار تملك الوحدات السكنية من نظام فلل الدوبلكس التي تتراوح أسعار المناسبة منها ما بين 1.2 مليون ريال (320 ألف دولار) ومليوني ريال (540 ألف دولار) في غياب تسهيلات التقسيط الميسر من قبل الشركات التي تطرح ذلك النوع من الوحدات السكنية. وجميع ما سبق ذكره بحاجة إلى آليات عمل جديدة وكثيرة ومعقدة تحتاج إلى تعاون جهات عديدة من القطاعين العام والخاص للتخفيف من أثر تلك الظاهرة التي قد لا تعد مشكلة في الوقت الحالي، إلا أنها في المستقبل قد تكون معضلة يصعب حلها، كمثال ما يحدث حالياً في ازدحام الطرق الذي لم يعط اهتماما كبيرا إبان فترة تشييد الطرق في المدن السعودية لاستيعاب المستقبل، حيث إن الطرق في الوقت الحالي أقل من اللازم لأن تستوعب الكم الهائل من السيارات كطريق الملك فهد في مدينة الرياض والذي تعبره يومياً مليون مركبة وهو رقم هائل من المركبات تعبر طريقا بثلاثة مسارات. وقد تكون أبرز المعوقات والمشاكل هي توافر أو شراء أراض منخفضة التكاليف للتناسب مع القطاع العريض من المواطنين.