أولوية الاقتصاد في القرار السياسي في العالم العربي وفلسطين نظرة عامة (1)
أثارت نظرية إسرائيل في السلام الاقتصادي في فلسطين بديلا عن التسوية أهمية تحليل هذه المسألة فلا يزال الجدل وسيظل دائرا حول الأولوية في القرار السياسي للعوامل الاقتصادية سواء كان القرار داخليا أو دوليا.
ولا شك أن العوامل الاقتصادية تلعب دورا حاسماً في مكونات القرارات السياسية، وهو ما يضيق المكان عن إيراد أمثلته في الأحداث الكبرى في العلاقات الدولية، خاصة الحروب العالمية. فقد تدفع الميزات الاقتصادية أو الاحتكارات أو الضائقة الاقتصادية إلى شن حروب خارجية للحصول على ما يسمى باقتصاديات الحرب، مثلما حدث في دخول الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية ضد اليابان في البداية، بقطع النظر عن حادث بيرل هاربر الذي لا تزال تفاصيله لغزا محيراً لعلماء العلاقات الدولية.
ومعلوم أنه بعد الحرب العالمية الأولى تهاوت النظم الرأسمالية في واحدة من أسوأ أزمات الرأسمالية في الوقت نفسه الذي قامت فيه الثورة الشيوعية تبشر بعالم ما بعد الرأسمالية، وسقطت مع أولى طلقات هذه الحرب نظرية العلاقة بين السلام والديمقراطية، ثم عادت النظرية مرة أخرى تعيد اعتبارها في الحرب العالمية الثانية وبعدها لأن دول الحلفاء كانت ديمقراطية باستثناء الدكتاتورية السوفياتية خلال الحرب، بينما كانت إيطاليا الفاشية وألمانيا النازية واليابان بدكتاتوريتها العسكرية هم أبطال المشهد الدامي إلى أكثر من ست سنوات في كل الساحات والمناطق.
المعلوم أن الأزمات الاقتصادية تؤثر في مصير الحكومات الديمقراطية لأن مناط أي نظام سياسي هو كفاءته الاقتصادية، ولذلك ظهر اتجاه في تأصيل هذه النقطة يذهب إلى أن المعطيات الاقتصادية هي التي توجه القرار السياسي الداخلي والدولي. وليست انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي بعيدة إذ كان فشل إدارة أوباما في إنجاز وعوده بتجاوز الأزمة المالية والاقتصادية مع استمرار انهيارات منطقة اليورو في أكثر من دولة سببا من أسباب تفوق الجمهوريين في مجلس النواب رغم أن الجمهوريين أيام بوش هم أهم أسباب الأزمة. كذلك كانت الحروب مصدراً لتوليد المزايا الاقتصادية مثلها مثل الاستعمار، ولكن حروب بوش أثقلت كاهل المواطن ويتم النظر في هذه المعادلة في ضوء نزيف الاقتصاد الأمريكي وعملته العالمية.
ومن تطبيقات ثقل الاقتصاد على توجيه القرار السياسي العقوبات الاقتصادية المطبقة على إيران إذ إنها بنيت على أساس إشعارها بفداحة ثمن التمسك ببرنامجها النووي، وهذا ينطبق على فلسفة العقوبات الاقتصادية عموماً. فقد فرض مجلس الأمن عقوبات شديدة على العراق إبان غزوه الكويت لعل تكلفتها الهائلة على الشعب العراقي تقنع أو تضطر القيادة إلى اتخاذ القرار السياسي بالانسحاب. وعندما عارضت فرنسا الغزو الأمريكي اضطرت فرنسا تحت الضغوط الأمريكية الاقتصادية الهائلة إلى نقل موقفها إلى منطقة رمادية تماهت إلى حد بعيد مع الموقف الأمريكي بما في ذلك طموح ساركوزي أن يحل محل بلير في علاقته بالبيت الأبيض، وكان في ذلك في جزء منه على الأقل راجعاً إلى أسباب اقتصادية.
خلاصة القول في هذه المقدمة أن الاعتبارات الاقتصادية جزء أصيل من عناصر القرار السياسي، أما استجابة صانع القرار لهذه العوامل فهذه قضية تحكمها اعتبارات كثيرة. وتختلف حسب النظم السياسية، كما أن للمنطقة العربية وضعا مختلفا سيأتي بيانه.