المسكن الاقتصادي

لما كان الإنسان المستخلف في الأرض والمأمور بعمارتها بأمر الله- عز وجل- كان المسكن من أهم ما تعمر به الأرض، والمسكن يحتل المرتبة الثالثة في ترتيبها من حيث درجة ضرورته للإنسان بعد الغذاء والكساء، لذلك شكل المسكن هدفاً رئيسياً تسعى إليه البشرية من بداية الخلق لما له ارتباط وثيق من سنة الله في الكون من الحاجة الماسة من الانتماء والراحة والكفاف وبالتالي إلى النماء والازدهار وعمارة الأرض على الوجه الذي يرضاه الرب جل وعلا.
وينظر دائماً لسياسات وبرامج الإسكان في الدول النامية كأدوات لضمان استمرار النمو والعدالة الاجتماعية، فالإسكان نشاط اقتصادي مهم يرتبط بشكل أساسي بالمتطلبات الاجتماعية للأسر، وخصوصاً ذوي الدخول المنخفضة. كما أن له تأثيراً قوياً في مستوى الجودة المعيشية التي تزيد كثيراً عن مجرد توفير المأوى. فامتلاك المسكن يعد أحد أهم أحلام الأسرة، كما يعد الرباط الاجتماعي الذي يربط الأسرة بالحي وبكامل المجتمع. وقد أظهرت الدراسات، بشكل قاطع، أنه ينتج عن ملكية المسكن منفعة أو مردود اقتصادي على الأسرة. كما وجد أن ملكية الأسر لمساكنها يسهم في الرفع من مستوى الحي، نظراً لبقاء السكان به لفترة أطول.
ومن هنا يعد تخفيض تكاليف الحصول على المسكن أحد أهم أهداف الاستراتيجيات التنموية في كل دول العالم.
تعود مشكلة عدم التمكن من امتلاك المسكن إلى انخفاض دخل الأسر، وارتفاع أسعار المساكن، وانعدام فرص التمويل، أو انخفاض الدعم الحكومي. وتظهر مشكلة عدم التيسير في الحصول على المسكن عندما تنفق الأسرة أكثر من 30 في المائة من دخلها للإقامة في وحدة سكنية مرضية. لذا يعرف التيسير في الإسكان بأنه تقليص الفجوة بين دخل الأسرة وتكلفة المسكن، وبين ما ترغب الأسرة في الحصول عليه، وما تستطيع أن تمتلكه. ويمكن تقليص هذه الفجوة بزيادة دخل الأسر أو بخفض تكاليف المسكن.
لقد شهدت المملكة العربية السعودية خلال العقود الثلاث الماضية عديدا من التغيرات في جميع مناحي الحياة، التي من بينها التركيبة السكانية، فقد سجلت المملكة معدلات نمو في السكان بشكل مطرد كل عام حتى أصبحت المملكة تعد من أعلى الدول في معدلات النمو السكاني على مستوى العالم. وتوقعت مؤسسة التنمية الدولية في إحدى نشراتها الصادرة لعام 2002م إلى أن معدل نمو السكان السنوي في المملكة للأعوام 2000 - 2015 من المتوقع أن يبلغ 9.2 في المائة، وهذا أكبر من المستويات العالمية التي تبلغ 1.1 في المائة.
ويصاحب ذلك ارتفاع في معدل الولادة في المملكة بنسبة تفوق المعدل العالمي، وبالتالي ارتفاع الطلب على المسكن والسلع، وإذا أخذنا في الاعتبار الزيادة المطردة في الهجرة من الريف إلى المدن خاصة الرئيسة منها، مثل الرياض، وجدة، والدمام، فإن تلك المدن تواجه مشكلة عدم القدرة على استيعاب تلك الزيادات الكبيرة في أعداد السكان القادمين من المناطق الريفية وإزاء تلك المشكلة المتفاقمة، لا بد أن يوازي ذلك استراتيجية قومية من شأنها التخفيف من حدة مشكلة معدل النمو السكاني، بما في ذلك توفير الخدمات والبنية التحتية الضرورية، وتنفيذ كثير من المشاريع في مجالات التعليم، والرعاية الصحية، والمسكن، ووسائل المواصلات، ومرافق البنية التحتية اللازمة. هذه المشاريع المقترحة في الغالب يتم تنفيذها ببرامج تمويل من قبل الحكومة، لذا فستصبح الدولة مقيدة بعديد من الالتزامات، ويتعذر بذلك عملية التمويل المطلوبة لهذه المشاريع، ومن هنا تبرز أهمية القطاع الخاص في المساهمة في تمويل جزء من هذه المشاريع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي