الاتحاد الأوروبي تحالف مسيحي يرفض انضمام تركيا المسلمة

تسعى تركيا إلى الدخول في الاتحاد الأوروبي منذ أكثر من عقدين ولكن يبقى الباب مقفلا أمامها، وتضع الدول الأوروبية العراقيل أمام دخولها، رغم الإصلاحات العديدة التي قامت بها تركيا وآخرها التعديلات التي أدخلت على الدستور التركي، الذي شمل 26 مادة في الاستفتاء الشعبي الذي أجري في الـ 12 من أيلول (سبتمبر) 2010، ولا يخفي قادة أوروبا ــــ من خلال تصريحاتهم المتعددة ـــ رفضهم انضمام تركيا، تحت شعار أن الاتحاد الأوروبي نادٍ مسيحي.

#2#

وينظر زعماء وقادة الاتحاد الأوروبي إلى الهوية التركية، أنها دولة ليست أوروبية، فقد صرح رئيس الجمهورية الفرنسي الأسبق فلاري جيسكار ديستان بالقول "إن عاصمة تركيا ليست في أوروبا، وإن 95 في المائة من سكانها يعيشون خارج أوروبا، إنها ليست دولة أوروبية"، أما السياسي الألماني المخضرم، ولفرد مارتنز، عضو الحزب الديموقراطي المسيحي الألماني فقد صرح في عام 1997 "إن الاتحاد الأوروبي في عملية بناء حضارة، ليس لتركيا فيها مكان"، وتؤيد هذا التوجه الأحزاب الألمانية، مثل الاتحاد الاجتماعي المسيحي البافاري وهو حزب محافظ، ففي تصريح للحزب "إن قبول دولة ليس لها نفس الدين أو قيم مشتركة مع الاتحاد الأوروبي أمر لا يمكن تخيله".

إن هذه الآراء والتصريحات الحزبية، لرجال السياسة والأحزاب، تبين مدى الإدراك الجيوبولتيكي عند صانعي القرار سواء عند صانعي القرار في داخل تركيا أو خارجها في الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي، ويذكر وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو في كتابه "العمق الاستراتيجي"، أن موقف الاتحاد الأوروبي يبقى واضحا في رفضه دخول تركيا، رغم محاولة الساسة الأتراك الحديث عن أن تركيا أوروبية وأنها جسر بين الشرق والغرب وحلقة وصل بين العالم الإسلامي والغرب، وهذا التصور في ذهن صانع القرار التركي جعل تركيا تهتم بتاريخها وجغرافيتها، والعودة إليهما، فلا خلع الطربوش ولا العلمانية المتطرفة شفعا لها عند الاتحاد الأوروبي للدخول إليه.

الموقف الأوروبي يعكس أهمية عاملي الجغرافيا والتاريخ في علاقة تركيا بالدول الإقليمية والكبرى، فالجغرافيا هي تاريخ الحاضر والتاريخ هو جغرافية الماضي، وإثر فوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية التي جرت في تشرين الثاني (نوفمبر) 2002، وتشكيل الحزب للحكومة التركية، أخذ البعد الجغرافي أكثر وضوحا وتأثيرا في علاقة تركيا بمحيطها الإقليمي والدولي، وتسخير عبقرية المكان لتحقيق مكاسب سياسية واستراتيجية واقتصادية لتركيا، وتوجهت تركيا إلى العالم العربي والإسلامي وحتى إفريقيا والصين، لأن أوروبا لم تنسَ محاصرة الجيش العثماني أسوار فينا عاصمة النمسا في يوم من أيام عز الدولة العثمانية.

وإذا نظرنا إلى الديموقراطية الأوروبية التي تتغنى بها دول القارة، وترفض تركيا كما أشرنا، رغم أنها ذات نمو اقتصادي مرتفع، بل سابع دولة اقتصاديا على مستوى أوروبا، وأفضل حالا من كثير من الدول التي انضمت إلى الاتحاد من دول المعسكر الاشتراكي السابق، نلاحظ أن هناك عنصرية داخل المجتمعات الأوروبية نفسها، بل في استطلاعات الرأي التي أجريت في الدول الأوروبية نجد نظرة سلبية للإسلام والمسلمين، فهناك تمييز واضح واتهام للجاليات المسلمة في داخل أوروبا ومعاملتها واتهامها بكثير من القضايا التي تنم عن العنصرية والتطرف الذي يسود أوروبا حاليا، وليس أدل على ذلك من قضية الحجاب سواء في فرنسا أو غيرها، مما دفع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إلى أن يصرح قائلا: وماذا عن العري في أوروبا، واللاتي لا يلبسن الملابس المحتشمة؟ بل وجه أردوغان حديثه حتى إلى بعض الجامعات التركية التي ترفض الطالبات المحجبات: ماذا عن الملابس الفاضحة؟
والحقيقة أن التميز والعنصرية في داخل أوروبا أخذا بعدا آخر وهو الصراع السياسي الداخلي، فمعركة الحجاب في فرنسا تم تسييسها داخل فرنسا في المنافسة السياسية بين الأحزاب السياسية الفرنسية وكذلك في بعض البلدان الأوروبية الأخرى.

أما حول اتهام المسلمين بالتطرف والأصولية، فالأصولية في أصلها ترجع إلى البروتستنتية، كما تؤكد على ذلك المصادر الغربية، وتعني بعض الجماعات البروتستنتية التي تدعو إلى التمسك الحرفي بالإنجيل أو الكتاب المقدس كما يسمى عندهم، وتم ترجمتها وإلصاقها بالمسلمين، فالإسلام ليس فيه تطرف ولا عدوان على أحد، وتميز بالعدل والمساواة، وأعطى أهل الكتاب حقوقا كاملة عبر التاريخ، حتى إن العالم الإسلامي هو الذي حمى كثيرا من الأقليات العرقية والدينية، حتى إن اليهود في الأندلس هربوا إلى العالم الإسلامي خوفا من بطش أوروبا الكاثوليكية المتعصبة، كما حدث في الأندلس.

وإذا كانت فرنسا تتغنى بمبادئ الثورة الفرنسية وحقوق الإنسان، وتتغنى الولايات المتحدة بتمثال الحرية، فأين هي حقوق الإنسان والموقف الغربي منها في فلسطين وحقوق الفلسطينيين، والاستيطان الذي يتجاوز كل القيم الإنسانية في طرد المواطنين من منازلهم، والديموقراطية الحقة في الواقع هي التي لا تميز بين الناس، كما تميز السياسة الغربية، وكذلك في أوروبا أين حقوق الإنسان والحرية في الملبس، وأن تلبس المرأة ما تريد، في بلدان تدعي حرية الأفراد، وتسمح بنوادي العراة والشذوذ الجنسي، والغريب في الأمر أن هذه الدول الغربية بديموقراطيتها ابتدعت مفهوم التدخل الإنساني تحت ذريعة الأمن الإنساني، كوسيلة لتبرير تدخلها العسكري في بلدان عديدة، لتحقيق مصالحها على حساب الشعوب الأخرى.

وإذا نظرنا شرقا وغربا نجد أن الشعوب الإسلامية هي المهضومة الحقوق من التدخل الغربي وحتى مهضومة في الديموقراطيات الغربية، فكما ذكرنا هناك شعوب مسلمة محتلة تحت شعار إنساني، وقتل منها مئات الآلاف، ولم تتحسن أحوالها ولم تستقر أوضاعها تحت شعار التدخل الإنساني.

إن الدول الإسلامية تسعى دائما إلى الحوار والتعايش السلمي، وحقوق الأقليات محترمة فيها، كما أن المواطنين الأوروبيين وحتى الغربيين عموما يجدون الاحترام والتقدير ويحصلون على مزايا في وظائفهم وأعمالهم في الدول الإسلامية أكثر مما يحصلون عليه في بلدانهم، رغم تاريخ بلدانهم الاستعماري، وانتهاك بلدانهم لحقوق الإنسان واستيلائهم على خيرات البلدان الإسلامية، بل وتقسيمها وتجزئتها، ورغم كل ذلك تعامل الحكومات والشعوب الإسلامية رعايا الدول الأوروبية بكل تقدير واحترام وتعطيهم امتيازات كثيرة، ويبقى السؤال: أيهم أكثر مصداقية في تطبيق حقوق الإنسان والحرية والمساواة في معاملة الرعايا الأجانب أو الأقليات المقيمة في الدول، هل هي القيم والمبادئ الإسلامية أم الديموقراطية الغربية القائمة على الازدواجية، وتتبنى بلدانها الميكافللية السياسية على حساب بلدان الدول الفقيرة، ولم تعد تنطلي الشعارات البراقة على أحد في عالم اليوم، حيث أصبح العالم قرية كونية، وأخذت الفضائيات تنقل أحداث العالم مباشرة، فأصبح المواطن يشاهد القتل والتدمير والاستيلاء على المنازل وإقامة الحواجز والاعتداء على المواطنين في منازلهم كما تقوم به إسرائيل، وأصبحنا نشاهد طائرات الأباتشي تغير على المدنيين الآمنين، وأصبح المواطن أيضا يشاهد المعاملة التي تتعرض لها الجاليات الإسلامية في أوروبا، كل ذلك دفع المواطن إلى أن يعيد حسابات ومراجعة أفكاره عن شعارات الديموقراطية الأوروبية والغربية عموما، وأخذ يعيد الاعتبار لأمته وحضارته، كما هو الحال في عودة تركيا إلى تاريخها وجغرافيتها، وفاز المنهج الاقتصادي الإسلامي الإنساني العادل على الرأسمالية المتوحشة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي