نحن ومجتمع المعرفة والمعلومات

باتت قضية مجتمع المعرفة أو مجتمع المعلومات أكبر من أن تكون قضية فنية أو تقنية‏؛‏ لتصبح مفهوما أشمل للنهوض والتنمية‏ بالمجتمعات الإنسانية.‏ ومن ثمَّ فإن الوصول إلى هذا المجتمع لا يعد مشروعا مستقلا في حد ذاته يمكن التوصل إليه عبر جهود تنحصر في المجال المعرفي‏،‏ بل عملية تطويرية شاملة‏،‏ لا يصل إليها المجتمع حقيقة إلا في سياق عملية تحديث وتطوير وإصلاح شاملة، تضع البلاد على أول طريق النهضة‏.‏
فقضية مجتمع المعرفة ليست بسيطة‏،‏ يخطئ من يظن أنها قضية القائمين على شؤون التربية والتعليم والإعلام والاتصالات وتقنية المعلومات؛ لأنها عملية تراكمية وتطويرية مستمرة تشمل جميع مناحي الحياة‏.‏ يتم الوصول إليها عبر خطط متكاملة‏،‏ وعملية بناء متواصلة لا تتوقف عند مرحلة معينة‏،‏ كما أن النهوض باتجاه هذا المجتمع لا بد أن يكون وفق خطة شاملة على المستوى الوطني؛‏ فالقضية تتجاوز مسألة تحديث وتطوير قطاعات معينة تكون في النهاية بمثابة جزر متطورة معزولة‏!
وتبقى قضية مجتمع المعلومات مختلفة تماما، ونقطة البداية فيها هي العمل وفق رؤية وطنية، شاملة‏،‏ تتم ترجمتها في خطط قطاعية‏،‏ وبحيث تتوافق، وتتكامل وتعمل معا ضمن منظومة شاملة ومتكاملة‏،‏ حيث يؤثّر الخلل في أي قطاع على بقية القطاعات‏،‏ مع ضرورة ملاحظة العملية التبادلية بين القطاعات المختلفة‏،‏ التي تعمل على التصحيح ونقل الخبرة، جنبا إلى جنب مع الاستفادة من عمل وأداء القطاعات التي تعمل على نحو جيد بالتوافق مع الإطار العام للمخطط على المستوى الوطني‏.‏
إن الوصول إلى مجتمع المعلومات، يتطلب بداية، توافر ثلاثة أركان رئيسة، هي‏:‏ الإرادة الوطنية الجادة، برؤية واضحة‏؛‏ واستراتيجية وطنية طموحة في ضوء الواقع القائم‏؛‏ وأخيرا كفاءات وقيادات تنفيذية على درجة عالية من الوعي والشجاعة‏،‏ حيث تعمل بقوة على تطبيق الخطط المرسومة وتطويرها وفق مقتضيات الحاجة‏.‏
وهذه الأركان كافة، متوافرة، ولله الحمد، في حالتنا‏ السعودية؛ حيث إن ولاة الأمر - حفظهم الله -‏ يحوزون أعلى مستوى في الإرادة والرؤية‏،‏ كما بدت واضحة ملامح ومكونات الخطة الوطنية للاتصالات وتقنية المعلومات والتي وافق على وثيقتها مجلس الوزراء، رقم 160 وتاريخ 11/5/1428 هـ، والتي تشمل منظورا بعيد المدى للاتصالات وتقنية المعلومات في المملكة، يتكون من رؤية مستقبلية وسبعة أهداف في سبعة مجالات عامة: رفع الإنتاجية في جميع القطاعات؛ وتعميم الخدمات الحكومية والتجارية والاجتماعية والصحية إليكترونيا؛ وتنظيم قطاع الاتصالات بشكل عادل ومحفز وجاذب للاستثمارات؛ وبناء صناعة اتصالات وتقنية معلومات قوية؛ والتوظيف الأمثل للاتصالات في التعليم والتدريب؛ وتمكين شرائح المجتمع كافة من التعامل مع الاتصالات بفعالية لردم الفجوة الرقمية؛ والتوظيف الأمثل للاتصالات وتقنية المعلومات في خدمة العربية وتعزيز رسالة الإسلام الحضارية؛ وتوفير قدرات مؤهلة من الجنسين في مختلف تخصصات الاتصالات من خلال الكوادر الوطنية واستقطاب العالمية.
ولا ينقصنا سوى تحويل الخطوط العامة للاستراتيجية الوطنية لتقنية المعلومات إلى خطط قطاعية‏،‏ وتوافر الأجهزة التنفيذية المؤمنة بهذه القضية‏،‏ وعندها يمكننا القول: إن السعودية، باتت بالفعل على الطريق الصحيح لمجتمع العالمي للمعلومات‏، الذي شهد في السنوات الأخيرة ثورة كبرى، غيّرت كل موازين القوى‏، وانعكست آثارها على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية‏،‏ وقد كانت تقنية المعلومات، فيها هي أداة التطوير والتغيير كما ذكر توفلر في كتابه المعروف: ''صدمة المستقبل''‏،‏ الذي يعد أحد أهم الكتب التي صدرت في القرن الماضي، حيث يقول آلة التغيير العملاقة التي تزأر أمامنا‏:‏ التكنولوجيا‏..! وللفيلسوف الفرنسي جان فرانسوا ليوتار‏،‏ رؤية أخرى، شهيرة: المعرفة في شكل السلعة المعلوماتية ستصبح، مجال التنافس الأول في العالم‏،‏ للوصول إلى القوة، حيث ستتصارع القوى في العالم من أجل السيطرة على المعلومات‏،‏ تماما كما تصارعوا - على حد قوله - في الماضي من أجل السيطرة على الأراضي!
ومن هنا تبرز أهمية مشروع التطوير والتحديث، الذي يقوده خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، متّعه الله بالصحة والعافية، ويسعى لتكريسه، وإرسائه في حياتنا‏،‏ هي السبيل العصري للوصول إلى هذا المجتمع المعرفي والمعلوماتي، الذي نطالب به في شتى مجالات الحياة‏.. حيث بدا واضحا إدراك الإرادة الوطنية للوصول إلى مجتمع المعلومات يقتضي تطورات شاملة في المجالات المختلفة‏،‏ ويمكن استعراض منجزاتنا التي تحقّقت في هذا الخصوص بفخر واعتزاز على مدى العقدين الماضيين في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية‏،‏ في إطار سعيها لإرساء دعائم المجتمع العصري القائم على تعزيز المشاركة المجتمعية‏،‏ والعمل الدائم نحو التطوير والتحديث‏،‏ وتتجسد هذه الإنجازات على المحور الوطني في تعميق مفاهيم المواطنة والاعتدال والتسامح واحترام حقوق الإنسان‏..‏ وعلى المحور الاقتصادي‏؛‏ اتخذت المملكة خطوات ملموسة، شهدت لها المؤسسات الاقتصادية الدولية‏،‏ خاصة في تطوير مناخها الجاذب للاستثمارات الأجنبية وإتاحة الفرص المتزايدة للقطاع الخاص بما يوسع المشاركة المجتمعية التي هي ركيزة المجتمع العصري‏، حيث يؤدي استخدام الاتصالات وتقنية المعلومات بكفاءة إلى زيادة إنتاجية مختلف القطاعات كمّا ونوعا، بما في ذلك القطاعات الإنتاجية والخدمية. فضلا عن أن صناعة الاتصالات وتقنية المعلومات تقدم مصدرا جديدا للدخل على مستوى الفرد والمجتمع؛ يضاف إلى ذلك أن إنتاجها يفتح آفاقا واسعة لفرص وظيفية جديدة لأبناء المجتمع، ويسهم في تقليل الهجرة إلى المدن، وتنمي العمل عن بُعد، إضافة إلى توفير فرص وظيفية جديدة مناسبة لعمل المرأة؛ وإجمالا: إيجاد موقع حضاري للمجتمع على المستوى الوطني وعلى المستوى العالمي، بشكل أكثر فاعلية.
وفي مجتمعنا السعودي، الذي تقدّر مساهمة قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات في الناتج المحلي لعام 2008 بنحو 8 في المائة؛ ويقدَّر عدد العاملين في القطاع بنحو 80 ألف موظف ويعول الكثير على القطاع في المستقبل ليكون أحد الدعائم الرئيسة في حجم إجمالي الناتج المحلي وزيادة عدد الوظائف لتصل إلى 30 في المائة من إجمالي عدد الوظائف؛ وكذا زيادة الاستثمارات المحلية والأجنبية في القطاع إلى أكثر من 40 مليار ريال؛ ما زلنا نحتاج إلى الكثير من الجهود بدأب وإصرار لتواصل المملكة مسيرتها المظفّرة؛ لكي تصبح نمرا تقنيا في الجزيرة العربية‏،‏ من خلال فتح آفاق أوسع للاستثمارات في مجال الاتصالات وتقنية المعلومات وإقامة مشروعات أضخم مع كبريات الشركات العالمية المتخصصة في مجال المعلومات والتقنية‏؛‏ لتؤكّد أن المملكة تسير على الطريق الصحيح في هذا المجال الشديد الحيوية‏،‏ وهو طريق سارت عليه من قبل دول عدة، استطاعت أن تستثمره وأن تحقق طفرات كبيرة في المجال التقني كالهند والصين ودول أخرى‏،‏ ما أحدث نقلة نوعية في اقتصادات تلك البلدان‏.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي