أيهما أكثر تكلفة: التمويل المتوافق مع الشريعة أم التمويل التقليدي؟
التمويل المتوافق مع الشريعة المقصود به ذلك التمويل الذي تقدمه المؤسسات المالية الإسلامية إلى عملائها بغرض توفير السيولة أو الأصول التي يرغبها العميل، على أن يكون تسديد هذا التمويل مؤجلا، من خلال أدوات تقدمها تلك المؤسسات على أساس أنها متوافقة مع الشريعة، بناء على آلية تعتمدها في الغالب الهيئات الشرعية لتلك المؤسسات. أما بالنسبة للتمويل التقليدي، فهو التمويل الذي يعتمد الإقراض المباشر للعميل مع سداد ذلك القرض مؤجلا بزيادة، والتي يطلق عليها القرض بفائدة والتي يرى الغالبية العظمى من العلماء أنه قرض ربوي محرم.
كثيرا ما يتردد أن تكلفة التمويل المتوافق مع الشريعة أكبر من تكلفة التمويل التقليدي، والسبب في ذلك أن التمويل التقليدي لا يتطلب الكثير من الإجراءات التي تؤدي إلى ارتفاع تكلفة التمويل، مثل تملك الأصول وبيعها، إضافة إلى المتطلبات الإدارية والفنية لذلك. حيث إن التمويل التقليدي ببساطة يتم من خلال إقراض مباشر، إضافة إلى ذلك عامل المخاطرة في التمويل التقليدي، وذلك أن التأخر في السداد يؤدي بالتالي إلى تأخر المؤسسة المالية في الحصول على حقوقها، دون أن يكون لها مطلق الحق في الزيادة مقابل التأخر في السداد. في حين أن هناك من الأدوات المالية الإسلامية مثل المرابحة ما لا يقبل إمكانية الزيادة على العميل مقابل التأخير.
والحقيقة أنه إذا نظرنا إلى هذه العوامل بشكل مباشر فإن هذا الأمور فعليا تؤدي إلى ارتفاع تكلفة التمويل المتوافق مع الشريعة.
ولكن هناك عوامل مهمة لا بد من أخذها في الاعتبار لكيلا يكون هناك قصور في التصور، وبالتالي تبرير ارتفاعات كبيرة في تكلفة التمويل على عملاء المؤسسات المالية الإسلامية خصوصا بعد التوجه الكبير للعملاء على المؤسسات المالية الإسلامية لتمويل تملك المساكن.
من أبرز تلك العوامل تكلفة الإيداع، حيث إنه في البنوك التقليدية تجد أن هناك كثيرا من المودعين يطالبون بعوائد أو ما يسمى فوائد بنسبة ثابتة مقابل ادخار أموالهم أو إيداعها بشكل عام في البنوك، في حين أنه في المؤسسات المالية الإسلامية لا تجد أن المودعين يأخذون فائدة على ودائعهم، وذلك لأنهم يرون أن ذلك محرم.
هناك من العوامل الأخرى حجم الطلب على التمويل المتوافق مع الشريعة مقابل التمويل التقليدي، حيث زيادة الطلب على التمويل المتوافق مع الشريعة يزيد من فرص الربح حتى وإن كان هامش الربح منخفضا. وهذا ما جعل الكثير من البنوك تحقق عوائد جيدة خلال فترات سابقة رغم أنها تقدم فرصا تمويلية بتكلفة أقل من الفترة التي قبلها.
من العوامل المرتبط بالتكلفة مسألة المخاطر، وهذه المسألة برزت بوضوح بعد الأزمة المالية العالمية، حيث إن المؤسسات المالية الإسلامية وإن كانت ليس لديها صلاحية في بعض أدوات التمويل تمكنها من الزيادة مقابل التأخير إلا أن اعتمادها في مسألة التمويل على الأصول، وبالتالي رهنها إلى أن يتمكن العميل من الإيفاء بما عليه من الالتزامات المالية يجعل لدى المؤسسة المالية فرصة استرداد حقها أو على الأقل جزءا منه من خلال الاستحواذ على هذه الأصول، ومن ثم بيعها، وهذا ما لم يحدث في الأزمة المالية الماضية بالنسبة للمؤسسات المالية التقليدية، حيث إن عجز المدين عن السداد سيكبد المؤسسات المالية خسائر لا يمكن الاستعاضة عنها، إذ إنها في كثير من الأحيان قروض غير مرتبطة برهونات توازي قيمتها في كثير من الحالات، مما يجعل جزءا من هذه الديون في حكم المعدوم.
ولذلك لا يمكن الحكم بشكل عام بأن تكلفة التمويل المتوافق مع الشريعة هي أعلى من تكلفة التمويل التقليدي، إلا في حالة واحدة وهي أن تعمل كلتا المؤسستين في ظروف متساوية، وهذا من المتصور أنه قليل. والغالب أن هناك تباينا في البيئة العامة لكلا النموذجين.
الخلاصة أنه لا يمكن الحكم على أن تكلفة التمويل التقليدي أقل على كل حال إلا بالأخذ في الاعتبار العوامل الأخرى التي قد تقف في صف المؤسسات المالية الإسلامية تارة، وقد تكون عائقا في حالات أخرى. وذلك أن عامل المنافسة بين المؤسسات المالية الإسلامية والتقليدية ينبغي أن ينبني على أمر مهم، وهو قضية التزام المؤسسات المالية الإسلامية بالجودة الشرعية، حيث إن المؤسسات المالية الإسلامية بقدر ما تحقق الجودة الشرعية في تعاملاتها بشكل تكسب معه ثقة العملاء، فإن ذلك سيكون له دور كبير في الإقبال على تلك المؤسسات. أما في حال فقدان ثقة العملاء بالمؤسسات المالية الإسلامية فسيؤدي ذلك إلى فقد مجموعة من العملاء الذين ليس بالضرورة أنهم سيفضلون المؤسسات المالية التقليدية، بل قد يمتنعون عن طلب التمويل نهائيا.
هناك أمر مهم أيضا يعتبر في صالح المؤسسات المالية الإسلامية، وذلك أنه بالإمكان أن يكون لديها تنوع في المنتجات بما يمكنها من استقطاب شريحة أكبر من المستفيدين، خصوصا من الذين لا تناسبهم الآلية التي تعمل عليها البنوك التقليدية، والتي تعمل عليها المؤسسات المالية الإسلامية في مثل عقد المرابحة، ولذلك ينبغي أن يتم الحرص على تفعيل هذه الأدوات بالشكل الذي يتناسب مع طبيعة تلك الأدوات مثل المشاركة والاستصناع وغيرهما وليس من خلال استخدام آليات عقد المرابحة، التي تعتبر قريبة من الآلية التي تستخدم في تمويل المؤسسات التقليدية وهي القرض بفائدة.