الدفاع المدني وإدارة الكوارث

نعيش هذه الأيام أفضل أيام الدنيا، عشر ذي الحجة ''وليال عشر''، ''أفضل أيام الدنيا عشر ذي الحجة''، فيها أجر كبير لصيامها وأقلها صيام يوم عرفة، أعاننا الله وإياكم على صيامه، كما نعيش هذه الأيام، مع قيام الملايين من المسلمين القادمين من أنحاء المعمورة بأداء مناسك الحج والحج الأكبر، أعانهم الله وتقبل حجهم ودعاءهم، وجميع هؤلاء الحجاج تراهم محاطون ومحروسون ومحميون بجميع وسائل الأمن والسلامة الموفرة من الدولة السعودية أعزها الله، أحدها أجهزة الدفاع المدني، والذي يبذل الغالي والنفيس من أجل حماية الأرواح وإنقاذ المصابين بكل ما يملك من قدرات بشرية متخصصة ومادية، مع صعوبة التعامل مع المكان الضيق والزمان المحدود، والحشود الكبيرة. وعلى الرغم من أهمية الحديث عن الدور الذي يلعبه الدفاع المدني في موسم الحج، إلا أنه من المهم التعرض لدور وجاهزية الدفاع المدني عبر المواسم كلها، وليس موسما واحدا، أيام السنة كلها وليس بضعة أيام.
يقوم الدفاع المدني في المملكة بمهام جسيمة وخطيرة، تتمركز حول الاستجابة والتدخل الفوري، بعون الله أولاً ثم بجهود مجموعة من المتخصصين المخلصين، لإنقاذ الأرواح ومساعدة المصابين، وتعظم وتصعب المهام حين تتعلق بأحداث كبيرة ومتداخلة، وتصبح شديدة الصعوبة في الاستجابة والإنقاذ حين تتعلق بكوارث طبيعية مثل الزلازل والفيضانات. إن ما حدث في جدة، مدينة ساحلية، في مثل هذه الأيام من السنة الماضية من حوادث وإصابات وخسائر في الأرواح والأموال جراء هطول أمطار، نوعاً ما، غزيرة، يوضح ويدعم بشكل كبير ضرورة إعادة التفكير في طريقة إدارة الكوارث في المملكة. فرغم الجهود المضنية للدفاع المدني والمؤسسات الحكومية والمدنية الأخرى ذات العلاقة مثل المستشفيات لمساعدة المتضررين في حادثة جدة، إلا أن الضرر كان كبيراً والخسائر البشرية والمادية كانت ملحوظة.
من خلال قراءة سريعة لواقع الأمن والسلامة المدنية، سواء ما يتعلق بمحدودية وضعف تجهيز وسائل وأجهزة الأمن والسلامة داخل المباني السكنية أو المكتبية أو المحال التجارية أو المستودعات، أو لما حصل ويحصل من حوادث حريق ووفيات وفيضانات وحودث سيارات وغيرها، أو لتأخر التدخل في بعض الحوادث نتيجة الازدحام المروري أو لعدم توافر مراكز دفاع مدنية قريبة لمواقع هذه الحوادث أو لأي أسباب أخرى، يمكن أن نستخلص وجود بعض المعوقات المرتبطة بمدى تكامل وجاهزية مراكز الدفاع المدني ومدى تغطيتها للمساحات الشاسعة في المملكة بين مدن كبيرة تتوسع كل يوم، ومدن متوسطة وقرى وهجر.
كما أن هناك فرقا بين العمل الوقائي والعمل العلاجي، كما هو الحال في علوم الطب والهندسة، فإن هناك أيضاً فرقا شاسعا بين أعمال الأمن والسلامة الوقائية والتخطيط السليم وأعمال التدخل الإنقاذية والعلاجية. الفرق بين العملين، قبل وبعد، لا ينحصر فقط في إمكانية توفير تكاليف التدخل والإنقاذ، بل أيضاً، وهو الأهم، في إمكانية إنقاذ الأرواح والممتلكات وتوفير التكاليف. من خلال التكامل والتنسيق المستمر، مع المراجعة والفحص الميداني، مع أجهزة الدفاع المدني أثناء تخطيط المدن والبناء وغيره من جميع أجهزة الدولة، يمكن تحسين الوضع الحالي وتخفيف العبء على أجهزة الدفاع المدني، فليس من المعقول فسح وبناء مبان سكنية في أودية، ثم الضغط على الدفاع المدني، عند هطول الأمطار، لمساعدة السكان وإنقاذ الممتلكات. ينبغي أن ندرك أهمية أننا نعيش في وطن واحد، حيث تتداخل الخدمات والبيئات، تؤثر في بعضها وتتأثر، وأي تقصير في جزئية معينة مثل الإهمال أو التراخي في منح رخص البناء أو زيادة الأحمال الكهربائية أو سوء تنفيذ الشبكات الكهربائية فسيؤدي إلى ضرر وخسارة في جزئية أخرى مثل جرف المساكن إذا ما تم بناؤها في أودية أو نشوب حريق كهربائي، والمحصلة زيادة التكلفة والخسارة على الدولة والوطن، سواء كانت في الأرواح أو الأموال.
من المهم إدراك حقيقة ضرورة انتشار الوعي والتدريب الأولي لدى الأفراد والعائلات وإدارات المدارس والطلاب والطالبات والمجتمع بعمومه حول أصول وأساسيات الأمن والسلامة، مما يضع عبئاً ومسؤولية كبيرة على عاتق أجهزة الدفاع المدني. ما زال المجتمع بجميع شرائحه بحاجة كبيرة إلى التوعية والتدريب حول وسائل الأمن والسلامة ووسائل الإسعاف الأولية، ويمكن أن يلعب الدفاع المدني دوراً كبيراً في هذا الاتجاه، وقد تكون الشراكة مع المدارس، بشقيها بنين وبنات، بداية جيدة نحو توعية أفضل في مجالات الأمن والسلامة.
مع التركيز على دور الدفاع المدني كمحور ومرجعية في مجال الأمن والسلامة والجهة المركزية المعنية بالتنسيق مع الجهات الأخرى ذات العلاقة، ومع أهمية النظر في كون الدفاع المدني جهة تابعة لوزارة الداخلية مما يجعلها تعتمد على مخرجات الكليات العسكرية لشغل الوظائف المطلوبة في الدفاع المدني، ومع التوسع الجغرافي وزيادة السكان، ومع تزايد الطلب النوعي لمثل هذه الخدمات، فقد يكون من المناسب العمل على ما يلي:
تطوير خطة استراتيجية شاملة لمنظومة الأمن والسلامة في المملكة، بدءا بتقييم الوضع الراهن لخدمات الدفاع المدني.
النظر في إنشاء مركز وطني لإدارة الكوارث، مع التركيز على تقنيات متقدمة من أهمها نظم المعلومات الجغرافية (GIS).
تطوير خطة عمل تنفيذية للتوعية والتدريب.
النظر في الاستعانة بخبرات مدنية في أجهزة الدفاع المدني لتعزيز قدرات الدفاع المدني البشرية.
تطوير أنظمة عقوبات وجزاءات تتناسب مع حجم الأضرار الناتجة.
وسائل الأمن والسلامة ضرورة من ضرورات الحياة ويجب أن نتعلمها ونعيها في البيت والمدرسة والعمل لنرفع ثقافة المجتمع بشكل عام وفي وسائل الأمن والسلامة بشكل خاص، والدفاع المدني شريك في ذلك، ولعلنا نبدأ بتقدير أهمية الدور الذي يلعبه، والخدمات التي يمكن أن يقدمها للمجتمع مع تحسين مستوى وأداء أجهزته.
وللحديث بقية..

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي