هل تكفي الملاحقة القانونية لإسرائيل لردعها؟
تقوم إسرائيل بتنفيذ مشروعها في فلسطين وسط متطلبات تنفيذ هذا المشروع وأهمها أن تخضع المنطقة بأسرها لميزان القوة الإسرائيلي وأن تسكت كل مقاومة ولو لفظية لهذا المشروع. وتعتقد إسرائيل أنها صاحبة الحق ولذلك تستغرب أن يتحدث العالم عن القانون الدولي ومخالفات إسرائيل لهذا القانون. ولابد من فهم منطق إسرائيل حتى يمكن التفاعل معه. من هذا المنطق تمارس إسرائيل ضغوطا كبيرة على إسبانيا لمنع صدور أمر قضائي بالقبض على وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي الذي كان مقررا أن يزور إسبانيا هذا الأسبوع. ويلاحق الوزير الإسرائيلي بتهمة قتل عمد لعدد من المدنيين الفلسطينيين عام 2002 خلال العملية العسكرية التي جرت في الأحياء السكنية في غزة لاغتيال الشهيد صلاح شحادة أحد أبرز قيادات المقاومة. وقد جربت إسرائيل الضغط على إسبانيا وبلجيكا ونجحت في حملهما علي تعديل نطاق الولاية الدولية لمحاكمها حتى تكون ملاذا آمنا للمتهمين الإسرائيليين ولا تزال تمارس الضغط على بريطانيا للغرض نفسه منذ حادث ليفني في العام الماضي، فإلى أي مدى يمكن أن تسهم هذه الملاحقات القضائية في كبح جماح السلوك الإجرامي لإسرائيل؟
لفهم هذه النقطة لابد أن نذكر باختلاف المنطلقات بين إسرائيل والعالم. فإسرائيل تعتقد خطأ أو صوابا أن لليهود الحق في العودة وفق المشروع الصهيوني، ولذلك فإن المشروع يقضي بطرد الفلسطينيين بل وإبادتهم بسبب احتلالهم لأراضي اليهود طوال هذه القرون، وليس واردا بالتالي الحديث عن الحقوق الفلسطينية كالعودة وغيرها. ويصبح الحديث عن هذه الحقوق وفق القانون الدولي أمراً بلا معنى بالنسبة لإسرائيل، وهكذا تسير إسرائيل بمنطقها في جانب، والعالم كله في جانب آخر.
هكذا ترتكب إسرائيل ما نسميه جرائم، ويطاردها القانون الدولي الذي يجرم هذه الأفعال وهي تصر على أنها بطولات وتتوقع أن يفهم العالم مشروعية عملها. ويبدو أن العالم فعلاً تجاوز مرحلة الدهشة والانزعاج ويسكت عن الكثير من جوانب المنطق الإسرائيلي، وأهمها أن الاغتيال والقتل والتدمير مشروع إذا كان ضد المقاومة، ولكنه مكروه ضد المدنيين. ومع ذلك اعتبرت إسرائيل مجزرتها ضد أسطول الحرية المدني عملا بطوليا مجيدا. وأكدت أن قواتها كان يجب أن تقتل أكثر، وأنكرت ''الرأفة والرفق'' التي تعاملت بها مع هؤلاء ''المعتدين الإرهابيين''.
على الجانب الآخر، تتواصل حملة الملاحقة القانونية، لكن الملاحظ أن الدعاوى لا تجرم قيادات المقاومة وأنه تسليم بإهدار دمائهم، وإنما تدافع عن المدنيين الذين راحوا ضحية عملية اغتيال القائد الفلسطيني، تماماً كما تتم ملاحقة قتلة المبحوح لا لأنهم قتلوه ولكن لدخولهم دبي بجوازات مزورة وبسبب استباحة الموساد أراضي دبي والإمارات ولم نسمع إدانة واحدة من أي جهة لحادث الاغتيال في حد ذاته.
فهل تكفي هذه المطاردة لردع إسرائيل؟ إنها جزء من معركة كبرى بين باطل يريد العالم تمريره وحق يصرع ملتمسا العدل. ولعل قيمة هذه الملاحقات تبدو في ضوء ما تردده إسرائيل من أنها مشروع أخلاقي رغم أنها تقوم على أساطير وتروج لهذه الأساطير وتسوقها في الغرب.
ولذلك فإن هذه الملاحقات تنخر في هذا الأساس الأخلاقي المزعوم، مما يسهل نزع الشرعية المزعومة عن إسرائيل التي تأبى أن تنتظم في شرعية حقيقية أتاحتها مبادرة السلام العربية، وستدرك إسرائيل بعد فوات الأوان قيمة هذه المبادرة.